للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبقَهُ في المثلَين السابقينِ كلّها من قَبيلِ التشبيهِ التمثيليِّ الذي يُراعَى فيه تشبيهُ جملةٍ بجملةٍ أو هيئةٍ بهيئةٍ كما تقدَّم.

وقوله تعالى: {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير (٢٦٥)}: أي: بما تعملون عليمٌ علمًا تامًّا بجميعِ أعمالِهِ وأسبابِهَا، وغاياتِها محمودةً أو مذمومةً، وآثارِها حسنةً أو سيئةً، نافعةً أو ضارَّةً، فعلمُ اللهِ محيطٌ بذلك كلِّه، ثم يجزي كُلًّا بعملِه إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًا فَشَرٌّ، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)} [النجم: ٣١]، ففي قوله: {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير (٢٦٥)} وعدٌ ووعيدٌ، وعدٌ للمنفقينَ المخلصينَ الصادقينَ، ووعيدٌ للمُرائينَ والمُتْبِعينَ صدقاتهم المَنَّ والأذى.

{وَمَثَلُ} نفقاتِ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ} طَلبَ {مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي: تحقيقًا للثواب عليه، بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لإنكارهم له، و «من»: ابتدائية {كَمَثَلِ جَنَّةٍ} بستانٍ {بِرُبْوَةٍ} بضمِّ الراءِ وفتحِها: مكانٍ مرتفعٍ مستوٍ {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ} أَعطت {أُكُلَهَا} بضمِّ الكاف وسكونِها: ثمرَها {ضِعْفَيْنِ} مِثلَي ما يُثمرُ غيرها {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} مطرٌ خفيفٌ يُصيبُها ويكفيها لارتفاعها. المعنى: تُثمرُ وتزكو كَثُرَ المطرُ أم قلَّ، فكذلك نفقات مَنْ ذكر، تزكو عند الله كثُرت أم قلَّت {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيُجازيكم به.

وقولُ المؤلِّف: (نفقاتِ): بيانٌ للمُشبَّهِ على أحد القولينِ، وقيل: المشبَّهُ هو الموصولُ {الَّذِينَ}، ومَن يقولُ ذلك يُقدِّرُ في المشبَّهِ به: «كَمَثَلِ صاحبِ جَنَّةٍ» (١).


(١) تقدم في (ص ٥٩٣).

<<  <   >  >>