فرضها عليه في أعلى مكان يصل إليه بشر، وفي أفضل وقت مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها عليه ليلة المعراج، وهو فوق السموات السبع، وفرضها أول ما فرضها على النبي صلى الله عليه وسلم خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وهذا دليل واضح على محبة الله لها وعنايته بها، وأنها جديرة بأن يستوعب المسلم فيها جزءا كبيرا من وقته؛ لأنها الصلة بينه وبين ربه وخالقه يجد فيها راحة نفسه وطمأنينة قلبه، ولذلك كانت قرة عين الرسول صلى الله عليه وسلم فرضها الله على عباده خمسين صلاة في كل يوم وليلة ولكنه تبارك وتعالى خفف عنهم، فكانت خمسا بالفعل وخمسين في الميزان، ففي هذه الخمس مصالح الخمسين وثواب الخمسين. أفلا تشكرون أيها المسلمون ربكم على هذه النعمة الكبيرة التي أولاكم بها، وتقومون بواجبها، فتؤدونها في أوقاتها بأركانها وواجباتها وشروطها، ثم تكملونها بمكملاتها؟
أيها المسلمون إن الصلاة صلة بينكم وبين ربكم، فالمصلي إذا قام في صلاته، استقبله الله بوجهه، فإذا قرأ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: ٢] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قرأ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة: ٣] قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قرأ:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: ٤] قال الله: مجدني عبدي، وإذا قرأ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: ٥] قال هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قرأ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: ٦] الخ) ، قال الله تعالى: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل. أفتجد أيها المسلم صلة أقوى من تلك الصلة؟ يجيبك ربك على قراءتك آية آية وهو، فوق عرشه، وأنت في أرضه؛ عناية بصلاتك، وتحقيقا لصلاتك. ولهذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا صلاها على الوجه الذي أمر به؛ لأنه اصطبغ بتلك الصلة التي حصلت له مع ربه، فقوي إيمانه، واستنار قلبه، وتهذبت أخلاقه.
أيها المسلمون، إن من حافظ على الصلوات، وأداها على الوجه المشروع كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ولقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصلوات الخمس بنهر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم وليلة خمس مرات، فهل يبقى بعد هذا الاغتسال من وسخه شيء، كلا. فهذه الصلوات الخمس تغسل الذنوب عن المصلي غسلا، فيكون نقيا بها من الذنوب فهي كفارة لما بينهن من الذنوب ما اجتنبت الكبائر.
أيها المسلمون إن ما ذكرناه من هذه الفضائل للصلوات الخمس ليس على سبيل