للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليهم لا يولي هذا الأمر عناية، وغاية ما عنده أن يقولها كلمة على العادة استووا اعتدلوا، فلا يشعر نفسه بالمقصود منها لا يبال من خلفه بها، ولا يأتمرون بها، تجده يقول ذلك، وهم باقون على اعوجاجهم، وتباعد بعضهم من بعض، ولو أن الإمام شعر بالمقصود، ونظر إلى الصفوف بعينه، وانتظر حتى يراهم قد استووا استواء كاملا، ثم كبر لبرئت ذمته وخرج من المسؤولية.

هذه بعض من مسؤوليات الإمام في إمامته. أما المأموم، فإنه لو كان يصلي وحده لكان مخيرا بين أن يقتصر على أدنى واجب في صلاته، أو أن يطول فيها، ولكنه إذا كان مع الإمام، فقد ارتبطت صلاته بصلاة إمامه، فلا يجوز أن يتقدم على الإمام بالتكبير، ولا القيام ولا القعود ولا الركوع ولا السجود، ولا يأتي بذلك مع الإمام أيضا، وإنما يأتي به بعده متابعا له، فلا يتأخر عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار؟» وقال أيضا: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا أجمعون» .

ومن مسؤوليات المأموم المحافظة على تسوية الصفوف، وأن يحذر من العقوبة على من لم يسوها، وأن يحافظ على المراصة فيها، وسد خللها، والمقاربة بينها، ووصلها بتكميل الأول فالأول، وأن يحذر من عقوبة قطع الصفوف، فإن من قطع صفا قطعه الله، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو يعلم الناس ما في النداء (يعني الأذان) والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه (يعني يقترعوا عليه) لاستهموا» ، وقال: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص، فليكن في الصف المؤخر» . رواه أبو داود ورأى في أصحابه تأخرا، وفي لفظ: «رأى قوما في مؤخر المسجد، فقال: تقدموا، فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله» . فهل ترضى أيها المسلم لنفسك أن تكون في شر الصفوف، وهو آخر الصفوف مع تمكنك من أولها؟ هل ترضى لنفسك أن تعرضها للعقوبة بالتأخر عن مقدم الصفوف، حتى يؤخرك الله في جميع مواقف الخير؟ هل ترضى لنفسك أن لا تصف بين يدي ربك كما تصف الملائكة عند ربها يتراصون في الصف، ويكملون الصفوف المقدمة؟ ما من إنسان يرضى لنفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>