آناء الليل والنهار، وأعرضوا عن الفكر فيما فيهما من القدرة العظيمة والحكمة البالغة لذوي العقول والأبصار.
إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله مخلوقان من مخلوقات الله، ينجليان بأمره، وينكسفان بأمره، فإذا أراد الله تعالى أن يخوف عباده من عاقبة معاصيهم ومخالفتهم كسفهما باختفاء ضوئهما كله أو بعضه إنذارا للعباد، وتذكيرا لهم لعلهم يحدثون توبة، فيقومون بما يجب عليهم من أوامر ربهم، ويبعدون عما حرم عليهم من نواهي الله عز وجل، ولذلك كثر الكسوف في هذا العصر، فلا تكاد تمضي السنة حتى يحدث كسوف في الشمس أو القمر أو فيهما جميعا، وذلك لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن، فلقد انغمس أكثر الناس في شهوات الدنيا، ونسوا أهوال الآخرة، وأترفوا أبدانهم، وأتلفوا أديانهم أقبلوا على الأمور المادية المحسوسة، وأعرضوا عن الأمور الغيبية الموعودة التي هي المصير الحتمي والغاية الأكيدة:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}[الذاريات: ٦٠]
أيها الناس إن كثيرا من أهل هذا العصر تهاونوا بأمر الكسوف، فلم يقيموا له وزنا، ولم يحرك منهم ساكنا، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وجهلهم بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتمادهم على ما علم من أسباب الكسوف الطبيعية، وغفلتهم عن الأسباب الشرعية والحكمة البالغة التي من أجلها يحدث الله الكسوف بأسبابه الطبيعية.
فالكسوف له أسباب طبيعية يقر بها المؤمنون والكافرون، وله أسباب شرعية يقر بها المؤمنون، وينكرها الكافرون، ويتهاون بها ضعيفو الإيمان، فلا يقومون بما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفزع إلى الصلاة والذكر والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق.
لقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في آخر حياته في السنة العاشرة من الهجرة حين مات ابنه إبراهيم رضي الله عنه بعد أن ارتفعت بمقدار رمحين أو ثلاثة من الأفق، وذلك في يوم شديد الحر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا إلى المسجد، وأمر ينادي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس في المسجد رجالا ونساء، فقام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وصفوا خلفه، فكبر، وقرأ الفاتحة وسورة طويلة بقدر سورة البقرة يجهر بقراءته، ثم ركع طويلا جدا، ثم رفع، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قرأ الفاتحة وسورة طويلة لكنها أقصر من الأولى، ثم ركع ركوعا