صائما فدل هذا على أن الداخل من الأنف كالداخل من الفم، فأما شم الروائح، فلا يفطر؛ لأنه ليس للرائحة جرم يدخل إلى الجوف. الرابع ما كان بمعنى الأكل والشرب مثل الإبر المغذية وهي التي يستغنى بها عن الطعام والشراب؛ لأنها بمعناهما فأما غير المغذية، وهي التي للتداوي وتنشيط الجسم، فإنها لا تفطر سواء أخذت مع العرق أم مع العضلات لأنها ليست بمعنى الأكل والشرب. الخامس من المفطرات إخراج الدم بالحجامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أفطر الحاجم والمحجوم» . ولا يفطر بخروج الدم بالرعاف ونحوه؛ لأنه بغير اختياره. ولا يفطر بخروج الدم من قلع السن أو الضرس؛ لأنه غير مقصود لكن لا يبلع الدم لأن بلع الدم حرام على الصائم وغيره. ولا يفطر بشق الجرح لإخراج القيح منه، ولو خرج منه دم. فأما سحب الدم من الصائم ليحقن في شخص آخر محتاج له، فإنه يفطر؛ لأنه كثير يؤثر على البدن كما تؤثر الحجامة، وعلى هذا فلا يجوز لمن صومه واجب أن يمكن من سحب الدم منه، إلا أن يكون لشخص مضطر لا يمكن صبره إلى الغروب، ويرجى انتفاعه بهذا الدم، فله أن يمكن من سحب الدم منه لهذا المضطر، ويأكل، ويشرب، ويقضي يوما مكانه. السادس من المفطرات القيء وهو إخراج ما في معدته من الطعام أو الشراب إذا تعمده، فأما إن هاجت معدته، وخرج الطعام بدون تعمد منه، فلا يفطر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من ذرعه القيء أي: غلبه فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض» .
وهذه المفطرات الستة لا يفطر بها الصائم إلا إذا فعلها عالما ذاكرا مختارا، فلا يفطر إن فعلها جاهلا مثل أن يفعل شيئا من المفطرات يظن أنه لا يفطر وهو يفطر، أو يظن أن الفجر لم يطلع وهو طالع، أو يظن أن الشمس قد غربت، وهي لم تغرب، فليس عليه في ذلك حرج ولا قضاء لقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥] وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم، ثم طلعت الشمس» ، ولم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء، ولو أمرهم لذكرته لأهميته، وما كان الله ليضيع على عباده حكما واجبا بدون بيان لكن متى علم أنه في نهار وجب عليه التوقف عن تناول المفطر، فإن استمر في تناول المفطر بطل صومه.