قدرة الله وحكمته ورحمته حيث أخرجها لكم من هذه الجذوع والغصون مأكولًا طريًّا شهيًّا {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس: ٨٢] فاشكروا الله تعالى على هذه النعم واستعينوا بها على طاعته وإياكم أن تكون نعم الله عليكم سببًا لأشركم وبطركم وفسوقكم عن أمر ربكم فإن ذلك أقوى معول لهدمها وأقوى سبب لزوالها.
أيها الناس إن من شكر الله على نعمته بهذه الثمار أن تتمشوا في بيعها وشرائها على ما سَنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتغاءً لثواب الله واتباعًا لشريعته وطلبًا للخير والبركة في أموالكم ولقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تباع هذه الثمار وكيف تباع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تتبايعوا هذه الثمار حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا الثمر بالتمر» نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم البائع والمشتري عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها لأنها قبل صلاحها أكثر عرضةً للآفات وأزيد نموًّا فتحصل الجهالة فيما زاد ونهى عن بيع الثمر بالتمر لأن ذلك ربًا أو وسيلةً إليه.
والصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر والصلاح في العنب أن تظهر فيه الحلاوة ويطيب أكله فمن باع شيئًا من ثمار النخيل والأعناب على شجره قبل بدو صلاحه فقد عصى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم والبيع باطل والثمرة للبائع لا يحل للمشتري أن يتصرف فيها بشيء والثمن للمشتري لا يحل للبائع أن يتصرف فيه بشيء.
وبيع ثمار النخيل على شجره ينقسم ثلاثة أقسام أحدها أن يبيعه تفريدًا كل نخلة وحدها فإن كان فيها لون ولو واحدة جاز بيعها وإلا وجب الانتظار حتى تلون.
القسم الثاني أن يبيعه أنواعًا كل نوع وحده جميعًا مثل أن يبيع السكري كله جملة واحدة فإن كان فيه لون ولو في نخلة واحدة منه جاز بيعه جميعًا تبعًا للملون منه وإلا وجب الانتظار به حتى يظهر فيه اللون.
القسم الثالث أن يبيع البستان كله جملةً واحدةً بجميع أنواعه فإن كان اللون قد ظهر في جميع الألوان ولو في نخلة واحدة من كل نوع جاز بيعه وإلا وجب الانتظار فيما لم يظهر اللون في نوعه حتى يلون. فإذا كان البستان ثلاثة أنواع برحيًّا وسكريًّا وأمهات حمام فباعه جميعًا جملةً واحدةً ولم نجد شيئًا ملونًا من البرحى فإن البيع يصح في السكري وأمهات الحمام دون البرحى ولا يجوز إبدال ثمرة نخلة بثمرة نخلة أخرى سواءً كانت من نوعها أم لا وسواءً كانت