للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فكان ملؤهم وأشرافهم يسخرون منه ولكنه صامد في دعوته يقول: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ - فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: ٣٨ - ٣٩] حتى قالوا متحدين له {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود: ٣٢] وقالوا مهددين له {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: ١١٦] أي من المقتولين رجما بالحجارة.

وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن وإمام الحنفاء لبث في قومه ما شاء الله، يدعوهم إلى الله تعالى، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} [العنكبوت: ٢٤] فما ثنى ذلك عزمه ولا أوهنه عن دعوته، مضى في سبيل دعوته إلى ربه بعزم وثبات وأزال منكرهم بيده فغدا على أصنامهم فكسرها حتى جعلها جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون، فلما رجعوا إلى أصنامهم وعلموا أن الذي كسرها إبراهيم طلبوا أن يؤتى به ليوبخوه على أعين الناس فيشهد الناس ما يقول فهل جبن أن يقول قول الحق في هذا المقام العظيم كلا بل قال لهم موبخا: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ - أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: ٦٦ - ٦٧] فعزموا على تنفيذ ما هددوه به و {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ٦٨] فأضرموا نارا عظيمة وألقوا إبراهيم فيها وهي أشد ما تكون اتقادا ولكن رب العزة قال لها {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩] فكانت بردا لا حر فيه وسلاما لا أذى فيه.

وهذا موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماذا حصل له من فرعون المتكبر الجبار دعاه موسى إلى الله العلي الأعلى وقال {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ١٦] فقال فرعون ساخرا به {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٢٣] وقال لملئه {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: ٢٧] ثم توعد موسى قائلا {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: ٢٩] فهل خاف موسى من ذلك وهل وهنت عزيمته عن الدعوة إلى الله عز وجل، بل مضى في ذلك حتى بين لفرعون من آيات الله ما يهتدي به أولو الألباب ولكن فرعون استمر في غيه واستكباره وقال مهددا موسى بالقتل ومتحديا له أن يدعو ربه: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: ٢٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>