الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قالوا لا يسكت أو قالوا ليته سكت» . وقال أنس بن مالك رضي الله عنه ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكبائر، فقال «الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس، وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو قال شهادة الزور» .
أيها المسلمون: إن هذين الحديثين الصحيحين الثابتين عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليتبين بهما تعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لشهادة الزور والتحذير منها، لقد عظم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التحذير منها بقوله وفعله عظمه بفعله حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئا، فلما ذكر شهادة الزور جلس ليبين فداحتها وعظمها. وعظمه بقوله حين جعل يكرر القول بها حتى قال الصحابة لا يسكت، أو تمنوا أن يسكت، وعظمه أيضا حين صدر القول عنها بأداة التنبيه (ألا) وحين فصلها في حديث أنس عما قبلها من الكبائر، وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر.
أيها المسلمون: أيها المؤمنون بالله ورسوله أيها الراجون لرحمة الله أيها الخائفون من عذابه أيها المؤمنون بيوم الحساب يوم تقفون بين يدي الله عز وجل لا مال ولا بنون تنظرون أيمن منكم فلا ترون إلا ما قدمتم وتنظرون أشأم منكم فلا ترون إلا ما قدمتم وتنظرون أمامكم فلا ترون إلا النار تلقاء وجوهكم. إنكم ستسألون عما شهدتم به وعمن شهدتم عليه أو شهدتم له فاتقوا واحذروا.
أيها المؤمنون تصوروا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو المبلغ عن الله القائم بأمر الله الناصح لعباده تصوروه وهو يعرض على أمته بنفسه أن ينبئهم بأكبر الكبائر ليحذروها ويبتعدوا عنها وتصوروه كأنه أمامكم كان متكئا ثم يجلس عند ذكر شهادة الزور وتصوروه يكرر ويؤكد أن شهادة الزور من أكبر الكبائر لو تصورتم ذلك لعرفتم حقيقة شهادة الزور. لقد تحدث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الشرك والعقوق وهو متكئ لم يجلس، لأن الداعي إلى الشرك والعقوق ضعيف في النفوس لأنه مخالف للفطرة لكنه جلس حينما تحدث عن شهادة الزور لأن الداعي إليها قوي، وكثير فالقرابة والصداقة والغنى والفقر كلها قد تحمل ضعيف العقل والدين على أن يشهد بالزور، لكن المؤمن العاقل حينما يعلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحذر من شهادة الزور هذا التحذير البليغ لا يمكنه أن يقدم على شهادة الزور، مهما كانت الأسباب والدواعي.