والطرب. ولقد ظهرت القنيات والمعازف في زمننا الحاضر ظهورا فاحشا، ما ظهرت مثله قط ظهورا مسموعا بالآذان ومشهودا بالعيان في كل وقت، وفي كل مكان في البيت والسوق والدكان، وفي وقت الصلاة ومع الأذان حتى صارت المعازف متعة كثير من الناس، ومنتهى أنسهم أنسوا بما يصرفهم عن ذكر الله ونسوا ما خلقوا له من عبادة الله وتعلقت قلوبهم بمعصية الله وسيجدون غب هذا الأنس وحشة، وبعد هذا التعلق انقطاعا وزوالا.
أيها المسلمون إن الحليم من الرجال ليقف حيران أمام هذا الانسياب الجارف إلى آلات اللهو والمعازف، وأمام هذا التغير السريع في مجتمعنا يجلس الواحد من رجل أو امرأة ليستمع إلى صوت مغن أو مغنية، أو يشاهد صورته غير مبال بذلك. إن الحليم ليقف حيران لا يدري أشيء ران على القلوب حتى التبس الأمر عليها وغشى بصائرها ما يمنع الرؤية فصارت لا ترى الحق وشكت في تحريم ذلك. أم شيء أزاغ القلوب فانصرفت عن الحق مع علمها به وارتكبت المعصية على بصيرة هما أمران أحلاهما مر.
أيها المسلمون: إن كل من عرف نصوص كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يشك في تحريم المعازف حتى إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قرنها بالزنا والخمر والحرير. ففي صحيح البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة (يعني الفقير) فيقولوا ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» . قال ابن القيم رحمه الله تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية: بيان تحريم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصريح لآلات اللهو والمعازف ثم ساق الأحاديث الدالة على ذلك وهي كثيرة ساقها في إغاثة اللهفان.
أيها المسلمون: لقد كنا إلى زمن قريب ننكر آلات اللهو وتكسر أمام المساجد بعد صلاة الجمعة إتلافا لها ومنعا لانتشارها، فصار الوضع إلى ما ترون فلا أدري أنزل وحي بحلها لكم، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين أم أنها التبعية لأكثر الناس بلا روية فاقرءوا إن شئتم قول ربكم عز وجل:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[الأنعام: ١١٦]