وهذا والله غاية الإيمان والثقة بوعد الله ونصره فأوحى الله تعالى إلى موسى:{أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ}[الشعراء: ٦٣] فضربه {فَانْفَلَقَ}[الشعراء: ٦٣] بإذن الله عز وجل اثنى عشر طريقا صار هذا الماء السيال بينهما ثابتا كأطواد الجبال فدخل موسى وقومه يمشون بين جبال الماء في طرق يابسة أيبسها الله بلحظة آمنين فلما تكاملوا خارجين وتبعهم فرعون بجنوده داخلين أمر الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنوده حتى غرقوا عن آخرهم فلما أدرك فرعون الغرق: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: ٩٠] ولكن لم ينفعه الإيمان حينئذ فقيل له توبيخا: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٩١] قال الله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ - وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ - وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ - كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ - فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}[الدخان: ٢٥ - ٢٩] فأورث الله بني إسرائيل أرض فرعون وقومه المجرمين لأن بني إسرائيل حينذاك كانوا على الحق سائرين ولوحي الله الذي أنزله على موسى متبعين فكانوا وارثين لأرض الله كما وعد الله: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف: ١٢٨]- {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ - إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}[الأنبياء: ١٠٥ - ١٠٦] أيها الناس إن نجاة نبي الله موسى وقومه من عدو الله فرعون وجنوده لنعمة كبرى تستوجب الشكر لله عز وجل ولهذا «لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من هذا الشهر شهر المحرم فقال ما هذا قالوا يوم صالح نجى الله فيه موسى وقومه من عدوهم فصامه موسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه»«وسئل عن فضل صيامه فقال أحتسب على الله يكفر السنة التي قبله» . إلا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بعد ذلك بمخالفة اليهود بأن يصام العاشر ويوما قبله وهو التاسع أو يوما بعده وهو الحادي عشر. وعليه فيكره أن يصوم يوم العاشر وحده بل يضيف إليه يوما قبله أو يوما بعده وإضافة التاسع إليه أفضل من الحادي عشر. وفقني الله وإياكم لشكر نعمته وحسن عبادته وحمانا من شرور أنفسنا برعايته إنه جواد كريم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . . الخ.]