فلما عجز فرعون عن مقاومة الحق وأفحمه موسى بالحجة والبرهان لجأ إلى ما لجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب والوعيد فتوعد موسى بالاعتقال والسجن قائلا:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء: ٢٩] ولم يقل لأسجننك ليزيد في إرهاب موسى حيث إن له من القوة والسلطان ما مكنه من سجن الناس الذين سيكون موسى من جملتهم على حد تهديده إن اتخذ إلها غيره وما زال موسى صلى الله عليه وسلم يأتي بالآيات واضحة وضوح النهار وفرعون يحاول بكل جهوده ودعاته أن يقضي عليها بالرد والكتمان حتى قال لموسى: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى - فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى}[طه: ٥٧ - ٥٨] مستويا لا يحجب عن الرؤية فيه واد ولا جبل فواعدهم موسى موعد الواثق بنصر الله تعالى واعدهم يوم الزينة وهو يوم عيدهم في رابعة النهار ضحى فاجتمع الناس وأتى فرعون بكل ما يستطيع من كيد ومكر فقال لهم موسى: {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}[طه: ٦١] فوقعت هذه الكلمة الواحدة الصادرة عن إيمان ويقين وقعت بين الناس أشد من السلاح الفتاك فتنازعوا أمرهم بينهم وتفرقت كلمتهم وصارت العاقبة لنبي الله موسى صلى الله عليه وسلم وأعلن خصومه من السحرة إيمانهم به: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ - قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ - رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}[الشعراء: ٤٦ - ٤٨] وقالوا لفرعون حين توعدهم: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا - إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه: ٧٢ - ٧٣] وما زال فرعون ينابذ دعوة موسى صلى الله عليه وسلم حتى استخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين قال الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ - فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}[الزخرف: ٥٥ - ٥٦] وكان من قصة إغراقهم أن الله أوحى إلى موسى أن يسري بقومه ليلا من مصر فاهتم لذلك فرعون اهتماما عظيما فأرسل في جميع مدائن مصر أن يحشر الناس للوصول إليه لأمر يريده الله عز وجل فاجتمع الناس إليه فخرج بهم في إثر موسى وقومه ليقضي عليهم حتى أدركهم عند البحر الأحمر: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء: ٦١] البحر أمامنا فإن خضنا غرقنا وفرعون وقومه خلفنا وسيأخذوننا فقال لهم موسى كلا أي لستم مدركين: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء: ٦٢] أي سيدلني على ما فيه النجاة