للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي السبب المبراء، والمشكوك فيه ملغى، فيُستصحب شغل الذمة، … والذي انعقد الإجماع على إلغائه هو المشكوك فيه لا الشك، فلا يلتبس عليك ذلك» (١).

قال ابن حجر -رحمه الله-: «ما ذهب إليه مالك راجح؛ لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد، وألغى الشك في السبب المبرئ، وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة، وألغى الشك في الحدث الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل» (٢).

نُوقش: بأن ذلك من حيث النظر قوي، لكنه مغاير لمدلول الحديث؛ لأنه نهى عن الانصراف إلا بعد أن يتحقق (٣)، وكفى به حجة!

سبب الخلاف:

سبب الخلاف تقابل يقيني: الطهارة والصلاة (٤): فالجمهور نظروا إلى استصحاب يقين الطهارة، فقالوا: لا يلزمه الوضوء، والمالكية نظروا إلى الأصل الأول قبل الطهارة، وهو تَرتُّب الصلاة في الذمة، فلا تُزال إلا بطهارة متيقنة، ولا يقين مع وجود الشك في وجود الحدث (٥).

الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يتبين أن الراجح -والله أعلم- قول الجمهور بأن مَنْ تيقن الطهارة وشك في الحدث، لا يجب عليه الوضوء.

سبب الترجيح:

١ - قوة الأدلة، ودلالتها على المنع من الالتفات للشك الطارئ والعمل باليقين.

٢ - ورود المناقشة على أدلة القول الآخر.


(١) الذخيرة (١/ ٢١٨ - ٢١٩).
(٢) فتح الباري (١/ ٢٣٨) نقلاً عن العراقي، ولم أتمكن من التحقق من صحة نسبة هذا القول للعراقي، والذي يغلب على الظن -والله أعلم- أنه للقرافي؛ إذ يقول القرافي في الفروق (٢/ ١٦٤): «ومذهب مالك أرجح من جهة أن الصلاة مقصد والطهارات وسائل، وطرح الشك تحقيقاً للمقصد أولى من طرحه لتحقيق الوسائل».
(٣) فتح الباري (١/ ٢٣٨).
(٤) يُنظر: المفهم (١/ ٦٠٨).
(٥) يُنظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٤/ ٤٤).

<<  <   >  >>