للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجب عليه إتمام ما شك فيه؛ فالأصل اليقين بلزوم فرض الصلاة ثلاث ركعات، ووجه ذلك: أنه قد لزمه أداء الصلاة بطهارة، فلا يبرأ منها إلا بيقين، ولا يحصل له اليقين إلا باستئناف الطهارة (١).

وذلك نظراً إلى الأصل الأول قبل الطهارة، وهو تَرتُّب الصلاة في الذمة، فلا تُزال إلا بطهارة متيقَّنة، ولا يقين مع وجود الشك في وجود الحدث (٢).

الدليل الثاني: أن الشك في الحدث له مدخل في وجوب الوضوء كالنوم (٣).

نُوقش: بأن النوم لما كان مظنة لأمر غير منضبط، جُعلت المظنة حدثاً، بخلاف هذه المسألة (٤)؛ فإنه يؤول إلى التحقق إن سمع صوتاً أو وجد ريحاً.

الدليل الثالث: إعمال قاعدة: أن كل مشكوك فيه يُلغى في الشريعة ولا بدَّ (٥).

قال القرافي -رحمه الله-: «السر في ذلك قاعدة: الأصل ألا يُعتبر في الشرع إلا العلم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (٦)؛ لعدم الخطأ فيه قطعاً، لكن تعذَّر العلم في أكثر الصور، فجوَّز الشرع اتباع الظنون؛ لندرة خطئها وغلبة إصابتها، وبقي الشك على مقتضى الأصل؛ فكل مشكوك فيه ليس بمعتبَر.

ويجب اعتبار الأصل السابق على الشك، فإن شككنا في السبب لم نرتب المسبب، أو في الشرط لم نرتب المشروط، أو في المانع لم ننفِ الحكم، فهذه القاعدة مُجمَع عليها لا تُنتقض، وإنما وقع الخلاف بين العلماء في وجه استعمالها: فالشافعي -رحمه الله- يقول: الطهارة متيقنة والمشكوك فيه مُلغى، فنستصحبها.

ويقول مالك -رحمه الله-: شُغل الذمة بالصلاة مُتيقَّن يحتاج إلى سبب مُبرِاء، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط، فيقع الشك في الصلاة الواقعة بالطهارة المشكوك فيها


(١) يُنظر: التهذيب في اختصار المدونة (١/ ١٨١)، المنتقى شرح الموطأ (١/ ٥٤).
(٢) يُنظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٤/ ٤٤).
(٣) يُنظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (١/ ١٥٤).
(٤) يُنظر: اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (٢/ ١٤٣).
(٥) يُنظر نص القاعدة في: ترتيب الفروق واختصارها (١/ ١٠٨)، وتُنظر القاعدة في: الفروق، للقرافي (١/ ١١١)، الإبهاج في شرح المنهاج (٥/ ١٩٢٣)، موسوعة القواعد الفقهية (٨/ ٦٠٦).
(٦) سورة الإسراء: جزء من الآية (٣٦).

<<  <   >  >>