للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمكن أن يُجاب عنه: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه أجراً في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.

الدليل الثالث: حديث أبي محذورة -رضي الله عنه- (١) في قصة تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- له الأذان واتخاذه مؤذناً، قال: ((خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ، فَكُنَّا في بَعْضِ طَرِيقِ حُنَيْنٍ (٢)، مَقْفَلَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، مِنْ حُنَيْنٍ فَلَقِيَنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالصَّلَاةِ، … ثُمَّ دَعَانِي حِينَ قَضَيْتُ التَّأْذِينَ، فَأَعْطَانِي صُرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ … )) (٣).

وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اتخذ أبا محذورة مؤذناً أعطاه الصرة، فدل ذلك على جواز أخْذ الأجرة على الأذان (٤).

نُوقش من وجهين (٥): الأول: أن حديث أبي محذورة مُعارِض لحديث النهي، وإسلامه متقدم على إسلام عثمان بن أبي العاص الراوي لحديث النهي، فحديثه متأخِر والعبرة بالمتأخِر.

الثاني: أنها واقعة يتطرق إليها الاحتمال، فيُحتمل أن يكون أعطاه من باب التأليف؛ لحداثة عهده بالإسلام، ووقائع الأحوال إذا تطرَّق إليها الاحتمال سلبها


(١) هو: أَبُو محذورة القرشي الجمحي، اختُلف في اسمه، فقيل: سمرة ابن مِعْيَر، وقيل: مِعْيَر بْن مُحَيْرِيز، وقيل: أَوْسُ بنُ مِعْيَرِ بنِ لَوْذَانَ بنِ رَبِيْعَةَ بن سعد بن جمح ربيعة بن عريج بن سعد بن جمح، مؤذن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بمكة بعد الفتح، غلبت عليه كنيته، تُوفي سنة ٥٩ هـ. يُنظر: الاستيعاب (٤/ ١٧٥١)، أسد الغابة (٦/ ٢٧٣).
(٢) حُنَيْن -بضم الحاء المهملة وفتح النون- على لفظ تصغير الترخيم: وادٍ من أودية مكة المكرمة، يسيل من السراة، ثم ينحدر غرباً، فيمر بين جبل كِنشيل الشهير عن يمينه وجبلي لَبَن عن يساره، ويُعرف اليوم بوادي الشّرائِع، ولا يُعرف حُنَين، والطريق إلى الطائف تأخذ على الشرائع قابلة وادي حُنَين، ثم تأخذ وادي يَدْعَان، يساراً، وحُنَين هو الموضع الذي جرت فيه الوقعة الشهيرة بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين هَوَازن ومَن ناصرهم في عام الفتح، وكانت من الوقعات الفاصلة، ومن الوقعات التي ذكرها الله في القرآن. يُنظر: مراصد الاطلاع (١/ ٤٣٢)، معالم مكة التأريخية والأثرية (ص: ٨٧).
(٣) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان (١/ ٣٧٦) برقم: (٥٠٣)، والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في الترجيع في الأذان (١/ ٣٦٧) برقم: (١٩٢)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب المساجد، كم الأذان من كلمة (٢/ ٢٣٣) برقم: (١٦٠٨) واللفظ له (مختصرا)، وابن ماجه، أبواب الأذان والسنة فيها، باب الترجيع في الأذان (١/ ٤٥٤) برقم: (٧٠٨)، وأحمد، (٢٤/ ٩٧) برقم: (١٥٣٨٠)، صححه ابن حبان (٤/ ٥٧٤) برقم: (١٦٨٠)، قال البوصيري في (مصباح الزجاجة) (١/ ٨٩): «إسناد صحيح رجاله ثقات».
(٤) يُنظر: نيل الأوطار (٢/ ٧٠).
(٥) يُنظر: حاشية السيوطي على سنن النسائي (٢/ ٧).

<<  <   >  >>