للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه حديث: ((أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصْبُغُ)) (١).

الحكم على القرينة:

القرينة النصية من أقوى القرائن المعتبرة التي تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة، وهي هنا قرينة قوية؛ لقوتها في أصلها وثبوتها وصحتها، ولقوة دلالتها على بيان الجواز في موضوع النهي؛ لإثباتها فِعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما قرينة فعل الصحابي: فقد أخذت قوتها من كونها متابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- واستناناً بسنته، والله أعلم.

ثانياً: القرينة الصارفة في مسألة: لبس المُعَصْفَر.

تبين فيما سبق أن أصحاب القول الأول حملوا النهي عن لبس المُعَصْفَر على الكراهة، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف له عن التحريم القرائن التالية:

القرينة الأولى: ورود النص، وفيها فِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- للمنهي عنه.

وهو ما جاء في حديث البراء -رضي الله عنه- قال: ((كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَرْبُوعاً، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُ)) (٢).

قال ابن بطال -رحمه الله-: «ويكون الجمع بين الحديثين أن لبسه -عليه السلام- للحمرة؛ ليعلم أمته أن النهى عنه لم يكن على وجه التحريم للبسه، ولكن على وجه الكراهة؛ إذ كان الله تعالى قد ندب أمته إلى الاستنان به» (٣).

وقال القاضي عياض -رحمه الله-: «يُحمل النهى عن ذلك على الكراهة؛ لأنه -عليه السلام- قد لبس حلة حمراء؛ لتعلم منه جواز ذلك» (٤).

القرينة الثانية: ورود النهي في باب الأدب والإرشاد.

وذلك أن النهي عن لبس المُعَصْفَر فيه حث للمسلم على: التزام الأدب النبوي في اللباس، والتنزيه عن مشابهة الكفار.


(١) سبق تخريجه: ص (٣١٤).
(٢) سبق تخريجه: ص (٣١٨).
(٣) شرح صحيح البخاري (٩/ ١٢٢).
(٤) إكمال المعلم (٦/ ٥٩٠) نقلاً عن الطبري.

<<  <   >  >>