للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن المُنَيِّر -رحمه الله- (١): «التحقيق أنها لا تعارضها إذا المُنهى عنه فَعَله على وجه الولع والعبث، والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة، والله أعلم» (٢).

٢ - أن النهي والكراهة إنما هي في حق المصلي وقاصد الصلاة، وتشبيك النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة ذي اليدين كان بعد سلامه من الصلاة، فلا معارضة إذاً (٣).

قال ابن حجر -رحمه الله-: «ويُجمع بأن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصداً لها؛ إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي، وأحاديث الباب الدالة على الجواز خالية عن ذلك» (٤).

٣ - أن أحاديث تشبيكه -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين تفيد عدم التحريم، ولا تمنع الكراهة لغيره؛ لكون فعله نادراً، أي: لبيان الجواز (٥).

قال الشوكاني -رحمه الله-: «يُجمع بما ذكره المصنف (٦) من أن فِعله -صلى الله عليه وسلم- لذلك نادراً يرفع التحريم، ولا يرفع الكراهة» (٧).


(١) هو: أحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار القاضي، أبو العباس، ناصر الدين ابن المُنَيِّر الإسكندراني، وُلد سنة ٦٢٠ هـ، وكان عالماً فاضلاً، برع في: الفقه، والأصول، والنظر، والعربية، والبلاغة، ولي قضاء الإسكندرية وخطابتها مرتين، ودرَّس بعدة مدراس، وله مصنفات مفيدة، منها: «تفسير القرآن» و «الانتصاف من الكشاف» و «أسرار الإسراء» و «مناسبات تراجم البخاري» طُبع كتابه هذا باسم: «المتواري»، تُوفي سنة ٦٨٣ هـ. يُنظر: الوافي بالوفيات (٨/ ٨٤)، شذرات الذهب (٧/ ٦٦٦).
(٢) المتواري على أبواب البخاري (ص: ٩٠).
(٣) يُنظر: المجموع (٤/ ٥٤٥)، عمدة القاري (٤/ ٢٦١).
(٤) فتح الباري، لابن حجر (١/ ٥٦٦). نقله عن الإسماعيلي.
(٥) يُنظر: مرقاة المفاتيح (٢/ ٧٨٨).
(٦) يُقصد به صاحب (منتقى الأخبار): أبو البركات شيخ الحنابلة مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني المعروف بابن تيمية، وهو جد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهم الله- جميعاً).
(٧) نيل الأوطار (٢/ ٣٨٨)، وتعقَّب الشوكاني هذا الوجه في الجمع: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يفعل المكروه، فقال: «ولكن يبعد أن يفعل -صلى الله عليه وسلم- ما كان مكروهاً، والأَولى أن يُقال: إن النهي عن التشبيك ورد بألفاظ خاصة بالأمة، وفِعله -صلى الله عليه وسلم- لا يعارض قوله الخاص بهم كما تقرر في الأصول»، ويمكن أن يُجاب عنه بالآتي: أولاً: «لا يُتصور منه -صلى الله عليه وسلم- وقوع مكروه، فإنه إذا فعل شيئاً وكان مكروهاً في حقنا، فليس بمكروه منه؛ لأنه يفيد به التشريع وبيان الجواز». قاله الزركشي في (تشنيف المسامع) (٢/ ٩٠٣). ثانياً: يُجاب عن قوله: فِعله -صلى الله عليه وسلم- لا يعارض قوله الخاص بهم: أولاً: أن الأصل مشاركة الأمة له في الأحكام إلا ما دل دليل على تخصيصه به -صلى الله عليه وسلم-، وأننا متعبَّدون بالتأسي به في فِعله -صلى الله عليه وسلم-. ثانياً: أن مسألة تعارُض الفعل والقول من المسائل المختلف فيها بين الأصوليين، ولهم فيها مذاهب بحسب أحوال الفعل وأوصافه، وهذه القاعدة التي أوردها مُختلَف فيها. يُنظر: التمهيد (٢/ ٣١٣)، الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (١/ ١٨٦)، البحر المحيط (٦/ ٥٢).

<<  <   >  >>