للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أن في الحديث نهياً صريحاً عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، والنهي يقتضي التحريم، وغير الأكل والشرب في معناهما، فيكون حكمها التحريم، وإنما خُصا بالذكر؛ لأنهما أظهر وجوه الاستعمال وأغلبها، وفيه إشارة إلى أن الذي يتعاطى ذلك في الدنيا لا يتعاطاه في الآخرة (١).

الدليل الثاني: عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ (٢) فِي بَطْنِهِ نَاراً مِنْ جَهَنَّمَ)) (٣).

وجه الاستدلال: أن الحديث نَصَّ على الوعيد الشديد لِمن فعل ذلك، والوعيد بالعقاب يقتضي التحريم، وإذا حرم الأكل والشرب فغيرهما من الاستعمالات أولى؛ لاشتراك سائر الاستعمالات معهما في علة التحريم، وإنما ذكر الأكل والشرب للتغليب (٤).

وذكر العلماء في العلة التي لأجلها حرم استعمال آنية الذهب والفضة، وجوهاً، منها: الأول: أن علة التحريم السَّرَف والخُيلاء وأذى الصالحين والفقراء، وقد حرم الشرع الإسراف في قوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (٥).

الثاني: أن في استعمالها تشبهاً بالجبابرة وملوك الأعاجم (٦)، وذلك محرم أيضاً؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)) (٧).


(١) يُنظر: المغني (١/ ٥٦)، المجموع (١/ ٢٥٠)، فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٩٥)، مغني المحتاج (١/ ١٣٦).
(٢) يُجَرْجِرُ: مادته (ج ر ر)، والجَرْجَرَةُ: هو الصوت الذي يردده البعير في حنجرته، (يجرجر): أي: يحدر فيها نار جهنم، جعل صوت تجرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها، كجرجرة نار جهنم في بطنه بطريق المجاز. يُنظر: مقاييس اللغة (١/ ٤١٣)، النهاية في غريب الحديث والأثر (١/ ٢٥٥)، عمدة القاري (٢١/ ٢٠٣).
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الأشربة، باب آنية الفضة (٧/ ١١٣) برقم: (٥٦٣٤)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره على الرجال والنساء (٣/ ١٦٣٥) برقم: (٢٠٦٥) واللفظ له.
(٤) يُنظر: التمهيد (١٦/ ١٠٥)، المغني (١/ ٥٦)، كفاية النبيه (١/ ٢١٠)، شرح العمدة، لابن تيمية -كتاب الطهارة (ص: ١١٤).
(٥) سورة الأنعام: جزء من الآية (١٤١).
(٦) يُنظر: التمهيد (١٦/ ١٠٥)، البحر الرائق (٨/ ٢١٠).
(٧) أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة (٦/ ١٤٤) برقم: (٤٠٣١)، وأحمد (٩/ ١٢٣) برقم: (٥١١٤)، قال ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) (١/ ٢٦٩): «إسناد جيد»، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (١٠/ ٢٧١): «فيه علي بن غراب، وقد وثقه غير واحد، وضعَّفه بعضهم، وبقية رجاله ثقات»، وقال البوصيري في (إتحاف الخيرة) (٤/ ٤٨٤): «رواه أبو داود، وسكت عليه، فهو عنده حديث صالح للعمل به والاحتجاج به»، وحسَّن إسناده ابن حجر في (فتح الباري) (١٠/ ٢٧١)، وصححه الألباني في (صحيح الجامع الصغير وزيادته) (١/ ٥٤٦).

<<  <   >  >>