للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على إحدى وعشرين صلاة فله القصر ولو أقام سنين)) (١).

أما إذا نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام؛ فإنه يتم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة في حجة الوداع يوم الأحد من ذي الحجة، وأقام فيها الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم خرج إلى منى يوم الخميس، فقد قدم لصبح رابعة، فأقام اليوم الرابع، والخامس، والسادس، والسابع، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها، فإذا أجمع المسافر أن يقيم كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتمَّ (٢)، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لصبح رابعة يلبُّون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلا من معه الهدي)) (٣).

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه اللَّه: ((إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة

أيام فما دونها قصر الصلاة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة، فإنه أقام بها أربعة أيام يقصر الصلاة، وإن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة، وأما إن قال غدًا أسافر، أو بعد غد أسافر، ولم ينوِ المقام فإنه يقصر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة بضعة عشر يومًا، يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة. واللَّه أعلم)) (٤).


(١) المغني لابن قدامة، ٣/ ١٥٣.
(٢) انظر: المغني لابن قدامة،٣/ ١٤٧ - ١٤٨،والشرح الكبير المطبوع مع المقنع، ٥/ ٦٨، والإنصاف المطبوع مع الشرح الكبير، ٥/ ١٦٨، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٢/ ٣٩٠.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، باب كم أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته، برقم ١٠٨٥.
(٤) مجموع الفتاوى لابن تيمية، ٢٤/ ١٧، وسئل رحمه اللَّه عن رجل يعلم أنه يقيم شهرين فهل يجوز له القصر؟ فأجاب: ((الحمد لله هذه مسألة فيها نزاع بين العلماء منهم من يوجب الإتمام، ومنهم من يوجب القصر، والصحيح أن كليهما سائغ فمن قصر فلا ينكر عليه، ومن أتم لا ينكر عليه، وكذلك تنازعوا في الأفضل، فمن كان عنده شك في جواز القصر فأراد الاحتياط فالإتمام أفضل، وأما من تبينت له السنة، وعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين، ولم يحد السفر بزمان أو بمكان، ولا حد الإقامة أيضًا بزمن محدود، لا ثلاثة، ولا أربعة، ولا اثنا عشر، ولا خمسة عشر، فإنه يقصر كما كان غير واحد من السلف يفعل، حتى كان مسروق قد ولَّوه ولاية لم يكن يختارها، فأقام سنين يقصر الصلاة، وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة، وكانوا يقصرون الصلاة مع علمهم أن حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بعد فتح مكة قريبًا من عشرين يومًا يقصرون الصلاة، وأقاموا بمكة أكثر من عشرة أيام يفطرون في رمضان، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام، وإذا كان التحديد لا أصل له فمادام المسافر مسافرًا يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهورًا واللَّه أعلم)). مجموع الفتاوى، ٢٤/ ١٧ - ١٨، وانظر: مواضع أخرى في الفتاوى، ٢٤/ ١٤٠، و٢٤/ ١٣٧، وانظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص١١٠، والشرح الممتع لابن عثيمين،٤/ ٥٢٩ - ٥٣٩، والاختيارات الجلية للسعدي، ص٦٦.

<<  <   >  >>