للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثامن والعشرون: الوقوف بعرفة]

أولاً: إذا وصل الحاج إلى [قُبَيْل] عرفة استحب له أن ينزل بنمرة (١) إلى الزوال إن تيسر له ذلك؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال جابر - رضي الله عنه -: (( .. وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة، فسار رسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا تشُكُّ قريش

إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في

الجاهلية، فأجاز رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة (٢) فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي (٣) فخطب الناس


(١) نَمِرة: قال الإمام النووي: ((بنمرة)) هي بفتح النون وكسر الميم، هذا أصلها، ويجوز فيها ما يجوز في نظيرها، وهو إسكان الميم مع فتح النون، وهي موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات)) [شرح النووي على صحيح مسلم، ٨/ ٤٣١]، وقيل: ((نمرة الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف)) [معجم البلدان للحموي، ٥/ ٣٠٤]، وقال المرداوي في الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف: نقلاً عن الزركشي: ((نمرة موضع بعرفة، وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف، قاله: ابنُ المنذر))، وقال الإمام ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر، ٥/ ١١٨: ((حتى أتى نمرة)) هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم بعرفات))، [وكذلك قال القاضي عياض في مشارق الأنوار، ٢/ ٣٤]. وقال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه عن نمرة: ((والمشهور أنها ليست من عرفة، فهي أمام عرفة، وليست منها على الراجح)) [مجموع فتاوى ابن باز، ١٧/ ٢٦٧].
(٢) حتى أتى عرفة: قال الإمام النووي: (( .. وأما قوله: ((حتى أتى عرفة)) فمجاز، والمراد قارب عرفات؛ لأنه فسره بقوله: وجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، وقد سبق أن نمرة ليست من عرفات، وقد قدمنا أن دخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جمعاً خلاف السنة)) [شرح النووي على صحيح مسلم، ٨/ ٤٣١].
(٣) فأتى بطن الوادي: قال الإمام النووي: ((بطن الوادي: هو وادي عُرَنة، بضم العين وفتح الراء وبعدها نون، وليست عُرَنة من أرض عرفات عند الشافعي والعلماء كافة، إلا مالكاً فقال: هي من عرفات)) [شرح النووي على صحيح مسلم، ٨/ ٤٣١]، وانظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ٣/ ٢٣٣، وقال الحموي في معجم البلدان، ٤/ ١١١: ((وقال الأزهريُّ: بطن عُرَنة: وادٍ بحذاء عرفات، وقال غيره: بطن عرفة: مسجد عرفة، والمسيل كله، وله ذكر في الحديث، وهو بطن عُرنة، وقد ذكر في بطن أبسط من هذا، وإيَّاها أراد الشاعر فيما أحسب بقوله:
أباك دون الشعب من عرفات ... ... ... ... بمدفع آيات إلى عُرنات))
وقال ابن قدامة في الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٩/ ١٦٠: ((وليس وادي عرنة من الموقف، ولا يجزئه الوقوف به، قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن من وقف به لا يجزئه، وحكي عن مالك أنه يجزئه وعليه دم؛ ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عُرنة)). [أصله في صحيح مسلم، برقم ٤٩ - (١٢١٨)، واللفظ لابن ماجه، برقم ٣٠١٢، وأبي داود، برقم ١٩٣٦، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٥٤٤، وفي صحيح ابن ماجه، ٢/ ١٧٢].
وقال العلامة الشنقيطي: ((والتحقيق أن عُرنة ليست من عرفة، فمن وقف بعُرنة لم يجزئه ذلك، وما يذكر عن مالك: من أن وقوفه بعرنة يجزئ وعليه دم خلاف التحقيق الذي لا شك فيه، والظاهر أنه لم يصح عن مالك)) [أضواء البيان، ٥/ ٢٦٤].
وقال شيخنا ابن باز في مجموع الفتاوى، ١٧/ ٢٦٢: ((يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج عرفة))، فإذا وقف الحاج خارج عرفة، أو في عرنة، أو غيرها فليس له حج، ولكن إذا دخل عرفة بعد زوال الشمس ذلك اليوم، أو في ليلة العيد صحّ حجّه، أما إذا لم يدخل عرفة لا بعد الزوال ولا في الليل فهو ليس له حج)).
وقال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، ٧/ ٣٢٣: ((بطن عرنة من عرفة، ولكن مع ذلك لا يجوز الوقوف فيه، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وكلها موقف إلا بطن عرنة))، ولو وقف في الوادي [وادي عرنة] ودفع منه فحجه غير صحيح؛ لأن هذا ليس من عرفة شرعاً، وإن كان منها تأريخاً)).

<<  <   >  >>