للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسفر جداً، وحيثما وقف من مزدلفة أجزأه ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وقفت ههنا وجمع كلها موقف)) (١).وجمع هي مزدلفة (٢).

خامساً: إذا أسفر جداً دفع من مزدلفة (٣) إلى منى قبل طلوع


(١) مسلم، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، برقم ٤٩ - (١٢١٨)، ولفظه: ((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف، وو قفت ها هنا وجمع كلها موقف)).
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ارفعوا عن بطن محسِّر، وعليكم بمثل حصى الخذف)). [أحمد في المسند، ٣/ ٣٨٣، برقم ١٨٩٦، ولفظ ابن خزيمة، ٤/ ٢٥٤، برقم ٢٨١٦: ((ارفعوا عن بطن عُرنة، وارفعوا عن بطن محسر))، وفي لفظ لابن خزيمة: ((ارتفعوا عن محسِّر، وارتفعوا عن عرنات))، أما قوله: ((العرنات))، فالوقوف بعرنة، ألا يقفوا بعرنة، وأما قوله: ((عن محسِّر)): فالنزول بجمع: أي لا تنزلوا محسراً)). ولفظ الطبراني: برقم، ١١٠٠١: ((مزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسِّر، ومنى كلها منحر))، وفي لفظ للطبراني، برقم ١١٢٣١: ((عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عُرنة، والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر)). وأصل الحديث قال عنه محققو المسند، ٣/ ٣٨٣: ((إسناده صحيح على شرط مسلم))، وقال شيخنا ابن باز في حاشيته على بلوغ المرام، ص ٤٥٦ على إثر الحديث رقم ٧١٠: ((خرّج الإمام أحمد بإسناد جيد على شرط مسلم ... )) وذكره.
(٢) للمزدلفة ثلاثة أسماء: مزدلفة، وجمعٌ، والمشعر الحرام، وحدُّها من مأزمي عرفة إلى قرن محسر، وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب، وليس وادي محسِّرٍ من مزدلفة. [المغني لابن قدامة،
٥/ ٢٨٣].
(٣) اختلف العلماء رحمهم اللَّه في القدر الذي يكفي في النزول بالمزدلفة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يكفي في النزول بمزدلفة بقدر ما يصلِّي المغرب والعشاء، ويتعشى، ولو أفاض منها قبل نصف الليل، وبعضهم قال: لا بد في ذلك من حط الرحال، وهذا مذهب الإمام مالك وأصحابه)).
القول الثاني: إن دفع من مزدلفة بعد نصف الليل أجزأه، وإن دفع منها قبل نصف الليل لزمه دم، وهذا مذهب الإمام الشافعي، والإمام أحمد.
القول الثالث: إن دفع الحاج من مزدلفة قبل الفجر لزمه دم، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن وقت الوقوف عنده بعد صلاة الصبح، ومن حضر في ذلك الوقت فقد أتى بالوقوف، ومن تركه ودفع ليلاً فعليه دم، إلا إن كان لعذر. [أضواء البيان للشنقيطي، ٥/ ٢٧٣]، قال العلامة الشنقيطي: ((الأظهر عندي في هذه المسألة: هو أنه ينبغي أن يبيت إلى الصبح؛ لأنه لا دليل مقنعاً يجب الرجوع إليه مع من حدد بالنصف الأخير، ولامع من اكتفى بالنزول، وقياسهم الأقوياء على الضعفاء قائلين: إنه لو كان الدفع بعد نصف الليل ممنوعاً، لما رخص فيه - صلى الله عليه وسلم - لضعفة أهله؛ لأنه لا يرخص لأحد في حرام، قياس مع وجود الفارق، ولا يخفى ما في قياس القوي على الضعيف الذي رخص له؛ لأجل ضعفه، كما ترى، ولا خلاف بين العلماء أن السنة أنه يبقى بجمع حتى يطلع الفجر كما تقدم، ومن المعلوم أن جمعاً، والمزدلفة، والمشعر الحرام، أسماء مترادفة، يراد بها شيء واحد، خلافاً لمن خصص المشعر الحرام بقزح دون باقي المزدلفة)). [أضواء البيان،
٥/ ٢٧٣].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، ٢٦/ ١٣٥: ((فإن كان من الضعفة: كالنساء والصبيان، ونحوهم فإنه يتعجّل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، ولا ينبغي لأهل القوة أن يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر، فيصلوا بها الفجر ... )).
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه في الشرح الممتع، ٧/ ٣٤١: ((وهذا هو الصحيح أن المعتبر غروب القمر ... وغروب القمر يكون بعد مضي ثلثي الليل تقريباً، وقد يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً .. )). وقال ابن القيم في زاد المعاد، ٢/ ٢٤٨: ((وأذن في تلك الليلة لضعفة أهله أن يتقدموا إلى منى قبل طلوع الفجر، وكان ذلك عند غيبوبة القمر .. )).
واختار شيخنا ابن باز: ((أنه يمكن للضعفاء أن ينفروا إلى منى بعد مضي نصف الليل الأخير، والأفضل بعد غروب القمر ... )) [مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٧٥]، واختار شيخنا أن من عجز عن المبيت في مزدلفة بحيث لم يجد مكاناً، أو منعه الجنود، فلا شيء عليه لقوله تعالى:
{فَاتَّقُوا اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، أما إذا كان متساهلاً فعليه دم، وكذا العلامة ابن عثيمين، انظر: مجموع فتاوى ابن باز، ١٧/ ٢٨٧، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٧/ ٣٤٤، واختار شيخنا ابن باز أن من مرّ بمزدلفة ولم يبت فيها ثم عاد قبل الفجر ومكث بها ولو يسيراً فلا شيء عليه. [مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٤٢، ١٧/ ٢٨٩، وانظر: اختيارات مهمة في المبيت بالمزدلفة لشيخنا ابن باز، مجموع الفتاوى له، [١٦/ ٤٢، و ١٧٥، و٢٢٢، ١٧/ ٢٥٠، ٢٧٧، ٢٧٩، ٢٨٠، ٢٨٤، ٢٨٦، ٢٨٩].

<<  <   >  >>