للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني عشر: صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيجاز]

عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه. قال: دَخَلْنَا على جَابِرِ بن عبد اللَّه، فَسَأَلَ عن الْقَوْمِ (١) حتى انْتَهَى إلي. فقلت: أنا محمد بن عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ، فَأَهْوَى بيده إلى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الأعلى (٢)، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بين ثَدْيَيَّ وأنا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ. فقال: مَرْحَبًا بِكَ. يا بن أَخِي! سَلْ عَمَّا شِئْتَ. فَسَأَلْتُهُ وهو أَعْمَى. وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ. فَقَامَ في نِسَاجَةٍ (٣) مُلْتَحِفًا بها. كُلَّمَا وَضَعَهَا على مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إليه من صِغَرِهَا. وَرِدَاؤُهُ إلى جَنْبِهِ، على الْمِشْجَبِ (٤). فَصَلَّى بِنَا. فقلت: أَخْبِرْنِي عن حَجَّةِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال بيده (٥). فَعَقَدَ تِسْعًا. فقال إِنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لم يَحُجَّ. ثُمَّ أَذَّنَ في الناس (٦) في الْعَاشِرَةِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حَاجٌّ. فَقَدِمَ المدِينَة بَشَرٌ كَثِيرٌ. كلهم يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ. فَخَرَجْنَا معه، حتى أَتَيْنَا


(١) (فسأل عن القوم) أي عن جماعة الرجال الداخلين عليه، فإنه إذ ذاك كان أعمى. عَمِيَ في آخر عمره.
(٢) (فنزع زري الأعلى) أي أخرجه من عروته لينكشف صدري عن القميص.
(٣) (نساجة) قال الإمام النووي: هذا هو المشهور في نسخ بلادنا ورواياتنا لصحيح مسلم وسنن أبي داود. ووقع في بعض النسخ: في ساجة. بحذف النون. ونقله القاضي عياض عن رواية الجمهور. قال: وهو الصواب. قال: والساجة والساج، جميعاً، ثوب كالطيلسان وشبهه. قال: ورواية النون وقعت في رواية الفارسي ومعناه ثوب ملفق. قال: قال بعضهم: النون خطأ وتصحيف. قلت: ليس كذلك، بل كلاها صحيح، ويكون ثوباً ملفقاً على هيئة الطيلسان. وقال في النهاية: هي ضرب من الملاحف منسوجة، كأنها سميت بالمصدر. يقال: نسجت أنسج نسجاً نساجة.
(٤) (المشجب) هو عيدان تضم رؤوسها، ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب.
(٥) (فقال بيده) أي أشار بها.
(٦) (ثم أذن في الناس) معناه أعلمهم بذلك وأشاعه بينهم؛ ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام ويشهدوا أقواله وأفعاله ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب وتشيع دعوة الإسلام.

<<  <   >  >>