القول الأول: وقت ما قبل الزوال يوم عرفة، ليس وقتاً للوقوف، وبه قال جمهور أهل العلم، وحجة الجمهور حديث عروة بن مضرِّس - رضي الله عنه -، قال: أتيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالموقف - يعني بجمع- قلت: جئتُ يا رسول من جبلي طيئٍ، أكللت مطيَّتي، وأتعبتُ نفسي، واللَّه ما تركت من حَبْلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حجٍّ؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفة قبل ذلك، ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجُّه، وقضى تفثه)). هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك، ليلاً أو نهاراً فقد أتمّ حجَّه وقضى تفثه))، وفي لفظ للنسائي: ((من أدرك جمعاً مع الإمام والناس حتى يفيض منها، فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك)). [الترمذي، برقم ٨٩١، وأبو داود، برقم ١٩٥٠، وابن ماجه، برقم ٣٠١٦، والنسائي، برقم ٣٠٤٠، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٣٥١، وفي صحيح سنن أبي داود، ١/ ٥٤٧، وفي باقي السنن]. قال الجمهور: والمراد بالنهار في حديث عروة المذكور خصوص ما بعد الزوال، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله، قالوا: ففعله - صلى الله عليه وسلم - وفعل خلفائه من بعده مُبيِّن للمراد من قوله: ((أو نهاراً)) [أضواء البيان للشنقيطي، ٥/ ٢٥٨]. قال شيخنا ابن بن باز رحمه اللَّه: ((وزمن الوقوف: ما بعد الزوال من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، هذا هو المجمع عليه بين أهل العلم، أما ما قبل الزوال ففيه خلاف بين أهل العلم، والأكثرون على أنه لا يجزئ الوقوف فيه إذا لم يقف بعد الزوال ولا في الليل)) [مجموع فتاوى ابن باز، ١٧/ ٢٦١]، وقال في موضع آخر: ((من وقف يوم عرفة قبل الزوال فقط فأكثر أهل العلم على عدم إجزاء الوقوف ... )) [مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٤١، ١٧٤]، قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، ٧/ ٣٣١: ((وحجة الجمهور: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقف قبل الزوال، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) [مسلم، برقم ١٢٩٧، بنحوه، والبيهقي بلفظه في السنن الكبرى، ٥/ ١٢٥]، وعليه فيحمل قوله لعروة بن مضرِّس ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً. أي نهاراً)) مما يصح الوقوف فيه، فيكون مطلقاً مقيداً بالسنة الفعلية من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أن هذا القول أحوط من القول بأن النهار يشمل ما قبل الزوال)). القول الثاني: أن أول وقت الوقوف بعرفة من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، وهو مذهب الإمام أحمد، قال المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، ٩/ ١٦٧ - ١٦٨: ((قوله: ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، وهذا هو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وقدمه في الفروع، وهو من المفردات، وقال ابن بطة، وأبو حفص: وقت الوقوف، من الزوال يوم عرفة، وحُكِي رواية، قال في الفائق واختاره شيخنا، يعني به الشيخ تقي الدين [أي ابن تيمية]، وحكاه ابن عبد البر إجماعاً))، وقال ابن قدامة في المغني، ٥/ ٢٧٤: ((وأما أوله [أي الوقوف بعرفة] فمن طلوع الفجر يوم عرفة، فمن أدرك عرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل فقد تم حجه، وقال مالك والشافعي: أول وقته زوال الشمس يوم عرفة، واختاره أبو حفص العُبكريُّ، وحُمِل عليه كلام الخرقي، وحَكَى ابن عبد البر ذلك إجماعاً ... ))، وحجة الإمام أحمد حديث عروة بن مضرِّس في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... وقد أتى عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً))، فمذهب الإمام أحمد أنه يدل على شمول الحكم لجميع الليل والنهار، فهو يصدق على أول النهار وآخره، [انظر: أضواء البيان للشنقيطي، ٥/ ٢٦٠]، [ومجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٤١]، قال شيخنا ابن باز، عن مذهب الإمام أحمد هذا: ((ولكن الجمهور على خلافه، وأنه لا يجزئ الوقوف يوم عرفة إلا بعد الزوال؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - وقف بعد الزوال، وهذا هو الأحوط)). [مجموع فتاوى ابن باز، ١٦/ ١٤١ - ١٤٢]، فَعُلِم أن القول بإجزاء الوقوف قبل الزوال من مفردات مذهب الإمام أحمد. [انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، ٧/ ٣٣١].