للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صيد له؛ لأنه إنما يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له، بشرط أنه محرم، فبين الشرط الذي يحرم به)) (١).

وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه اللَّه تعالى يقرر: أن صيد البر يحرم على المحرم بأمور: أن يصيده المحرم، أن يكون أمر بصيده، أو أشار به، أو أعان على صيده، أن يكون صيد من أجله (٢)، وقرر أن هذه الأحاديث كلها مدارها على أمرين:

أحدهما: أن يصاد الصيد من أجل المحرم - أي يصيده الحلال من أجل المحرم - أو يساعد المحرم على ذلك، فهذا لا يأكل منه المحرم.

الثاني: إذا صاد الحلال الصيد ولم يقصد به المحرم، ولم يساعده المحرم: لا بعمل، ولا بإشارة، فهذا يأكل منه المحرم، أما حديث

الصعب بن جثامة، وردّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه الحمار الوحشي [فـ] حمل على أمرين:

إما أنه أهداه حياً، وإما أنه صاده من أجله، والمحرم لا يأكل ما صيد من أجله، وأما الصيد الحي فلا يقبله المحرم إذا أُهدي إليه، ولا يشتريه، وبهذا يجتمع شمل الأخبار؛ ولهذا أكل الصحابة من الصيد، وحديث جابر - رضي الله عنه - نص في الباب ((صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصاد لكم)) وهو حديث جيد كما قال الشافعي رحمه اللَّه (٣). واللَّه تعالى أعلم (٤).


(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ٨/ ٣٥٥ - ٣٥٧.
(٢) سمعته أثناء تقريره على أحاديث بلوغ المرام، الحديث ٧٥١، ٧٥٢.
(٣) سمعته رحمه اللَّه أثناء تقريره على أحاديث المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لعبد السلام بن تيمية، الأحاديث رقم ٢٤٧٩ - ٢٤٩٠.
(٤) أجمع العلماء على منع صيد البر للمحرم بحج أو عمرة، وأجمع العلماء على أن ما صاده محرم لا يجوز أكله للمحرم الذي صاده، ولا لمحرم غيره، ولا لحلال غير محرم، واختلف العلماء في أكل المحرم مما صاده الحلال على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز له الأكل مطلقاً. القول الثاني: يجوز الأكل مطلقاً. القول الثالث: التفصيل بين ما صاده لأجله، وما صاده لا لأجله، فيمنع الأول دون الثاني [أضواء البيان للشنقيطي،
٢/ ١٣١ - ١٣٣] ثم قال: ((أظهر الأقوال وأقواها دليلاً: هو القول المفصل بين ما صيد لأجل المحرم فلا يحل له، وبين ما صاده الحلال لا لأجل المحرم فإنه يحل)) ولا تجوز ذكاة المحرم للصيد، فإن ذبحه فهو ميتة لا يحل أكله لأحد كائناً من كان [أضواء البيان للشنقيطي،٢/ ١٣٧، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٧/ ٢٩٠]، ولا شك أن الحيوان البري ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صيدٌ إجماعاً: كالغزال فيمنع قتله للمحرم.
القسم الثاني: ليس بصيد إجماعاً ولا بأس بقتله، بل يستحب قتله: وهو الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور، والحية.
قال الشنقيطي: ((والجاري على الأصول تقييد الغراب بالأبقع؛ لما روى مسلم عن عائشة في غير الفواسق المذكورة (( ... والغراب الأبقع)) [مسلم، برقم ٧٢ - (١١٩٩) [أضواء البيان،
٢/ ١٣٨] قال شيخنا ابن باز في حاشيته على بلوغ المرام، الحديث رقم ٧٠٢: ((ولم يذكر تقييد الغراب بالأبقع إلا سعيد [بن المسيب] عن عائشة. ثم قال الشنقيطي: ((والمقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد، وما أجاب به بعض العلماء من أن روايات الغراب بالإطلاق متفق عليها، فهي أصح من رواية القيد بالأبقع: لا ينهض، إذ لا تعارض بين مقيد ومطلق؛ لأن القيد بيان للمراد من المطلق)) [أضواء البيان ٢/ ١٣٨].
القسم الثالث: مختلف فيه: كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((ولا شك أن السباع العادية: كالأسد، والنمر، والفهد أولى بالقتل من الكلب [العقور] لأنها أقوى منه عقراً، وأشد منه فتكاً)) [أضواء البيان، ٢/ ١٣٨]، قال الشنقيطي رحمه اللَّه: ((والتحقيق أن السباع العادية ليست من الصيد فيجوز قتلها للمحرم وغيره في الحرم وغيره)) أضواء البيان، ٢/ ١٣٩.
والمحرم أكله ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الخمس الفواسق التي أباح الشارع قتلها في الحل والحرم.
القسم الثاني: ما كان طبعه الأذى، وإن لم يوجد منه الأذى: كالأسد، والنمر، والذئب، وما في معناه، فيباح قتله أيضاً.
القسم الثالث: ما لا يؤذي بطبعه كالرخم والديدان، فلا أثر في الحرم ولا في الإحرام فيه، ولا جزاء فيه إن قتله [الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٨/ ٣٠٥ - ٣٠٧].
وأيضاً غير المأكول ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما أُمر بقتله فإنه يقتل من الخمس التي نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
القسم الثاني: ما نُهى عن قتله، مثل: الضفدع، والنملة، والنحلة، والهدهد، والصرد [طائر صغير فوق العصفور منقاره أحمر، يعرفه أهل الطيور].
القسم الثالث: ما سُكِتَ عنه، فإن آذى ألحق بالمأمور بقتله؛ لأن المؤذي يقتل، ولو كان من بني
آدم إذا كان صائلاً يريد قتل المسلم، أو عرضه، أو ماله، فإن قاتل المسلم فليقاتله، فإن قتل
المسلم فهو شهيد، وإن قتل الصائل فهو في النار، وإن لم يؤذي هذا القسم فهو محل توقف، فبعضهم قال يقتل؛ لأن ما سكت عنه الشارع فهو مما عفا عنه، وكره قتله؛ لأن اللَّه خلقه لحكمة، فلا ينبغي أن تقتله، وهو الأحسن، مثل الذباب، والصراصير، والخنفساء، والجعلان، وما أشبهها، لكن إذا كانت تؤذي فإنها تقتل؛ لإزالة أذاها [الشرح الممتع لابن عثيمين، ٧/ ١٦٣]. وانظر: الشرح الكبير، ٨/ ٢٧٤،وشرح العمدة، ٢/ ١٢٧ - ١٢٨، ١٢٩، ١٣٠، ١٨٢ - ١٨٤، والفروع لابن مفلح، ٥/ ٤٦٨.

<<  <   >  >>