(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ٤/ ٣٥١، وقال عنه الألباني في حاشيته على مختصر البخاري له، ١/ ٥١٢: ((إسناد صحيح ... عنه)) .. (٣) أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة: وجوب العمرة وفضلها، قبل الحديث رقم ١٧٧٣، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري له في حاشيته على هذا الأثر، ١/ ٥١٢: ((وصله الشافعي، والبيهقي، بسند صحيح عنه)). (٤) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة ابن باز، ١١/ ٣١٦. (٥) انظر: المغني لابن قدامة: ٥/ ١٣ وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية ١/ ٨٨ - ٩٨ وفتح الباري ٣/ ٥٩٧ وفتاوى ابن تيمية ٦/ ٢٥٦. (٦) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في حكم العمرة: هل هي واجبة على من وجب عليه الحج، أم هي مستحبة؟ على قولين: القول الأول: إن العمرة واجبة وفريضة من فرائض الإسلام، وهي قرينة الحج في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} [سورة البقرة، الآية: ١٩٦]، وقوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة، الآية: ١٥٨]، وقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [سورة البقرة، الآية: ١٩٦]. واستدلوا بالأحاديث الكثيرة الصحيحة: منها حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في سؤال جبريل عند ابن خزيمة، والدارقطني، وحديث عائشة رضي اللَّه عنها، وفيه: ((عليهن جهاد لا قتال فيه))، وهذا ظاهر في الوجوب؛ لأن على من صيغ الوجوب، كما ذكر ذلك أهل أصول الفقه، ومن أدلتهم حديث أبي رَزين: ((حج عن أبيك واعتمر))، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف، وكذلك حديث الصُّبيِّ: ((وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فقال له أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -: ((هُديت لسنة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -))، وقول ابن عمر رضي اللَّه عنهما: ((الحج والعمر فريضتان))، وقول ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((إنها لقرينتها في كتاب اللَّه - عز وجل -: {وأتموا الحج والعمرة لله}، وقد تقدم تخريج جميع هذه الأحاديث وغيرها من الآثار، وأنها كلها ثابتة. وممن قال بأن العمرة فرض مرة واحدة في العمر: الشافعي في الصحيح من مذهبه، قال الإمام النووي: وبه قال عمر، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وطاووس، وعطاء، وابن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، ومسروق، وأبو بردة بن أبي موسى الحضرمي، وعبد اللَّه بن شداد، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وداود. وقال ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني: ((وتجب العمرة على من وجب عليه الحج في إحدى الروايتين عن عمر، وابن عباس، وزيد ابن ثابت، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وبه قال الثوري، والشافعي في أحد قوليه)). والقول الثاني: إن العمرة سنة في العمر، وليست بواجبة، وبه قال: مالك وأصحابه، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وروي ذلك عن ابن مسعود، وحكاه ابن المنذر وغيره عن النخعي، واستدلوا بما روي عن جابر يرفعه عندما سُئل - صلى الله عليه وسلم - عن العمرة: أواجبة هي؟ قال: ((لا، وإن تعتمروا هو أفضل)) [الترمذي، برقم ٩٣١، وأحمد في المسند، ٣/ ٣١٦ بلفظ: ((لا، وإن تعتمر خير لك))]. ولكن الحديث ضعفه ابن حجر في التلخيص، ٢/ ٢٢٦، وقال العلامة الألباني في ضعيف الترمذي، ص ١٠٠: ((إسناده ضعيف)). واستدلوا بما روي عن طلحة أنه سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الحج جهاد، والعمرة تطوع)) [ابن ماجه، برقم ٢٩٨٩، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص ٢٤١، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة، برقم ٢٠٠]، وقال ابن حجر في التلخيص، ٢/ ٢٢٦: ((وفي الباب عن أبي صالح عن أبي هريرة، رواه الدارقطني، وابن حزم، والبيهقي، وإسناده ضعيف)). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، ٢٦/ ٥: ((والعمرة في وجوبها قولان في مذهب الشافعي، وأحمد، والمشهور عنهما وجوبها، والقول الآخر لا تجب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، وهذا القول أرجح))، فعلى هذا العمرة سنة عند شيخ الإسلام رحمه اللَّه. وقال في الفتاوى أيضاً، ٢٦/ ٧: ((والأظهر أن العمرة ليست بواجبة، وأن من حج ولم يعتمر فلا شيء عليه، سواء ترك العمرة عامداً أو ناسياً)). ويرى ابن تيمية رحمه اللَّه أن أهل مكة ليس عليهم عمرة، فقال في الاختيارات الفقهية، ص ١٧٠: ((والقول بوجوب العمرة على أهل مكة: قول ضعيف جداً، مخالف للسنة الثابتة، ولهذا كان أصح الطريقين عن أحمد: أن أهل مكة لا عمرة عليهم، رواية واحدة)). قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه تعالى في أضواء البيان، ٥/ ٦٥٧، بعد أن ذكر أدلة الفريقين، وبين مناقشة الأدلة: ((والذي يظهر بمقتضى الصناعة الأصولية: ترجيح أدلة الوجوب على أدلة عدم الوجوب، وذلك من ثلاثة أوجه: الأول: أن أكثر أهل الأصول يرجحون الخبر الناقل عن الأصل على الخبر المبقي على البراءة الأصلية. الثاني: أن جماعة من أهل الأصول رجّحوا الخبر الدال على الوجوب على الخبر الدال على عدمه، ووجه ذلك هو الاحتياط في الخروج من عهدة الطلب. الثالث: أنك إن عملت بقول من أوجبها ... برئت ذمتك بإجماع أهل العلم من المطالبة بها، ولو مشيت على أنها غير واجبة فلم تؤدها على سبيل الوجوب بقيت مطالباً بواجب على قول جمعٍ كثيرٍ من العلماء، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((دع ما يريبك إلى مالا يريبك)) [الترمذي، برقم ٢٥١٨، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ٢/ ٦١١]، ويقول: ((فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ... )) [البخاري، برقم ٥٢، ومسلم، برقم ١٥٩٩]. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز رحمه اللَّه يقول: ((والصواب أن العمرة واجبة مرة في العمر كالحج))، سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٧٢٧، وسمعته أثناء تقريره على كتاب العمرة من صحيح البخاري، باب العمر: وجوب العمرة وفضلها، قبل الحديث رقم ١٧٧٣، يقول: ((مراد المؤلف رحمه اللَّه بيان فرضية العمرة، وأنها فريضة كالحج، وهذا هو الصواب، الذي دلت عليه الأدلة الشرعية))، وقال في مجموع الفتاوى له، ١٦/ ٣١، ٣٥٥: ((والعمرة لها أدلتها، والصواب أنها واجبة مرة في العمر كالحج، وما زاد فهو تطوع)). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه تعالى في عمرة أهل مكة: وهل هي واجبة على المكي: ((في هذا خلاف في مذهب الإمام أحمد، والإمام أحمد نص على أنها غير واجبة على المكي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه ... ولكن في القلب من هذا شيء؛ لأن الأصل أن دلالات الكتاب والسنة عامة، تشمل جميع الناس إلا بدليل يدل على خروج بعض أفراد العام من الحكم العام)) [الشرح الممتع على زاد المستقنع، ٧/ ١٠]. قال المرداوي في الإنصاف، ٨/ ٦: ((وجوب الحج في العمر مرة واحدة إجماع، والعمرة إذا قلنا: تجب، فمرة واحدة بلا خلاف، والصحيح من المذهب أنها تجب مطلقاً، وعليه جماهير الأصحاب ... )) يعني على أهل مكة وغيرهم؛ ولهذا قال ابن قدامة في الكافي، ٢/ ٢٩٧: ((وتجب العمرة على من يجب عليه الحج))، وقال في عمدة الفقه، ص ٧٦: ((يجب الحج والعمرة مرة في العمر ... ))، وقال العلامة ابن مفلح في الفروع،٥/ ٢٠١: ((والعمرة فرض كالحج، ذكره الأصحاب، قال القاضي وغيره: أطلق أحمدُ وجوبها في مواضع، فيدخل فيه المكي وغيرُه)). وانظر: المغني، لابن قدامة، ٥/ ١٣، والشرح الكبير، لابن قدامة، ٨/ ٧ - ٩، والإنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، ٨/ ٩، وأضواء البيان، للشنقيطي، ٥/ ٦٥١ - ٦٥٨، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ١/ ٨٨ - ٩٨، ومجموع فتاوى ابن تيمية، ٢٦/ ٥، و ٢٦/ ٢٤٨ - ٢٥٨، وفتح الباري، لابن حجر، ٣/ ٥٩٧.