للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقتدين به، وقد أمرهم وأمر مَن بعدهم إلى قيام الساعة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) (١)، ثم نقل

هؤلاء الصحابة ما أخذوه عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلى من بعدهم، ونقله المسلمون قرناً عن قرن بعضهم عن بعض إلى يومنا هذا (٢)، واللَّه ولي التوفيق (٣).


(١) مسلم، برقم ١٢٩٧، وتقدم تخريجه.
(٢) هذا آخر ما تيسر النظر في دليله من الشروط، وقد ذكر عبد اللَّه الجاسر في مفيد الأنام، ١/ ٢٧٧: ((أن شروط السعي تسعة: إسلام، وعقل، ونية معينة، وموالاة، ومشي القادر، وتكميل السبع، واستيعاب ما بين الصفا والمروة، وكونه بعد طواف صحيح ولو مسنوناً، وبدء بأوتار من الصفا وأشفاع من المروة)). وقال: ((وسننه: طهارة حدث وخبث، وستر عورة، وذكر، ودعاء، وإسراع ومشي في مواضعه، ورقي، وموالاة بينه وبين طواف ... )). وانظر أيضاً منار السبيل،
١/ ٣٤٥، ولكن بعض هذه الشروط فيه نظر، ويحتاج دليل.
(٣) وقد قال الإمام ابن قدامة في المغني، ٥/ ٢٣٤: ((ويستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه، فيأتي الصفا، فيرقى عليه حتى يرى الكعبة، ثم يستقبلها فيكبر اللَّه - عز وجل -، ويهلله ويدعو بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أحب من خير الدنيا والآخرة)) المغني، ٥/ ٢٣٤، وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: ((يجب عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة، فيلصق عقبيه بأسفل الصفا، ثم يسعى إلى المروة، فإن لم يصعد عليها ألصق أصابع رجليه بأسفل المروة، والصعود عليهما أولى، اقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن ترك مما بينهما شيئاً ولو ذراعاً لم يجزئه حتى يأتي به، وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل إلا أنها لا ترقى لئلا تزاحم الرجال؛ ولأنه أستر لها)). الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٩/ ١٢٨، هذا كلام الحنابلة في الطول، ولم يذكروا تحديد العرض.
وقال النووي في المجموع شرح المهذب، ٨/ ٧٦: ((فرع)) قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه؛ لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف، قال أبو علي البندنجي في كتابه ((الجامع)): موضع السعي بطن الوادي، قال الشافعي في القديم: فإن التوى شيئاً يسيراً أجزأه، وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز، وكذا قال الدارمي: إن التوى في السعي يسيراً جاز، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا. واللَّه أعلم. انتهى.
وقال شمس الدين محمد الرملي الشافعي المتوفى سنة ١٠٠٤هـ في ((نهاية المحتاج)) شرح المنهاج، ٣/ ٢٨٣ ما نصه: ولم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى، وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر كما نص عليه الشافعي - رضي الله عنه -. انتهى.
وفي ((حاشية تحفة المحتاج)) شرح المنهاج، ٤/ ٩٨ ولما ذكر النص الذي ذكره صاحب المجموع عن الإمام الشافعي قال: الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذ لا نص فيه يحفظ من السنة، فلا يضر الالتواء اليسير لذلك، بخلاف الكثير فإنه يخرج عن تقدير العرض ولو على التقريب.
أما كلام المؤرخين فقد ذكر أبو الوليد محمد بن عبد اللَّه الأزرقي، ٢/ ٩٠ ما نصه بالحرف: وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف ذراع، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وإحدى وعشرين ذراعاً. انتهى.
وقال الإمام قطب الدين الحنفي في صحيفة ١٠١ في تاريخه المسمى بـ ((الأعلام)) لما ذكر قصة تعدي ابن الزمن على اغتصاب البعض من عرض المسعى في سلطنة الملك الأشرف قاينباي المحمودي إلى أن قال: قاضي مكة وعلماؤها أنكروا عليه، وقالوا له في وجهه: إن عرض المسعى كان خمسة وثلاثين ذراعاً، وأحضر النقل من تاريخ الفاكهي وذرعوا من ركن المسجد إلى المحل الذي وضع فيه ابن الزمن أساسه فكان سبعة وعشرين ذراعاً.
وقال باسلامه في تاريخه ((عمارة المسجد الحرام)) صحيفة ٢٩٩: ذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى المسجد إلى العلم الذي بحذائه على دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى ستة وثلاثون ذراعاً ونصف، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباس الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعاً. انتهى. نقل عن مجموع فتاوى مفتي الديار السعودية العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه اللَّه، ٥/ ١٤١ - ١٤٢.
وقال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه اللَّه حول اقتراح بعض الناس بتأليف لجنة من العلماء لبيان مبدأ السعي ومنتهاه في الصفا والمروة، وذلك بأن يكسر صخر الصفا والمروة، ولا يبقى درج مطلقاً، بل يبقى جدار سميك فقط في آخر الصفا، وجدار آخر ينتهي في آخر المروة يبدأ السعي منه وينتهي إليه، معللاً ذلك بتيسير حصول السعي في العربات على استكمال السعي بين الصفا والمروة:
((وبعد تأمل الاقتراح المذكور ظهر لنا أنه يتعين ترك الصفا والمروة على ما هما عليه أولاً. ويسعنا ما وسع من قبلنا في ذلك، ولو فتحت أبواب الاقتراحات في المشاعر لأدى ذلك إلى أن تكون في المستقبل مسرحاً للآراء، وميداناً للاجتهادات، ونافذة يولج منها لتغيير المشاعر وأحكام الحج، فيحصل بذلك فساد كبير. ولا ينبغي أن يلتفت إلى أماني بعض المستصعبين لبعض أعمال الحج واقتراحاتهم، بل ينبغي أن يعمل حول ذلك البيانات الشرعية بالدلائل القطعية المشتملة على مزيد الحث والترغيب في الطاعة والتمسك بهدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وسنته في المعتقدات والأعمال، وتعظيم شعائر اللَّه ومزيد احترامها، في ٤/ ٥/١٣٧٧هـ. مجموع فتاوى ابن إبراهيم، ٥/ ١٤٦ - ١٤٧.

<<  <   >  >>