للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منى الثلاثة، فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه، لحطّ اللَّه ذنوبه إن كان قد اتّقى اللَّه في حجه، فاجتنب فيه ما أمره اللَّه باجتنابه، وفعل فيه ما أمره بفعله، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده، (وَمَنْ تَأَخَّرَ) إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غدٍ النفر الأول (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) لتكفير اللَّه له ما سلف: من آثامه وإجرامه إن كان اتقى اللَّه في حجه بأدائه بحدوده؛ وإنما قلنا إن ذلك أولى تأويلاته بالصحة؛ لتظاهر الأخبار عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)) (١)، وأنه قال: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)) (٢) ... وما

أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب، مما ينبئ عن أن من حجّ فقضاه بحدوده على ما أمره اللَّه، فهو خارج من ذنوبه، كما قال جل ثناؤه: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} اللَّه في حجه، فكان في ذلك من قول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما يوضح أن معنى قوله جل وعز: (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أنه خارج من ذنوبه، محطوطة عنه آثامه، مغفورة أجرامه، وأنه لا معنى لقول من تأول قوله: (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث؛ لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترْك عمله، فيرخّص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله، أو فيما كان عليه عمله فيرخّص له في تركه بوضع الحرج عنه في


(١) متفق عليه، البخاري، برقم ١٥٢١، ومسلم، برقم ١٣٥٠، وتقدم تخريجه.
(٢) الترمذي، برقم ٨١٠، والنسائي، برقم ٢٦٣١، وقال الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٤٢٦:)) حسن صحيح))، وتقدم تخريجه.

<<  <   >  >>