١٤٨- الْفَقِيهُ الصّنْهَاجِي (..- بَعْدَ سَنَةِ ٥٩٣ هـ)
هُوَ أَبُو الْخَيْرِ مُعاذُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُونُسَ بْنِ الْمَنْصُورِ (١) الْفَقِيهُ الْمَغْرِبِيُّ الصَّنْهَاجِيُّ. وَرَدَ إِرْبِلَ فِي/ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. كَانَ يَلْبَسُ لُبْسَ الصُّوفِيَّةَ، مُخْتَصَرُ الثِّيَابِ. حَدَّثَنِي فِي صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ- وَأَكْثَرُ اللَّفْظِ لِي- قَالَ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَدْرَكَ عَبْدَ الْمُؤْمِنِ (٢) أَمِيرَ الْمَغْرِبِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ رِجُلا عَالِمًا وَرِعًا فَقِيهًا.
وَكَانَ لَا يَخْلُو مَجْلِسُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِكُلِّ فَنٍّ مِنْ فُنُونِ الْعِلْمِ، وَمَتَى خَاضُوا فَنًّا خَاضَ مَعَهُمْ فِيهِ كَأَحَدِهِمْ. فَاتَّفَقَ أَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ من العلماء و (أ) الفقهاء وَالشُّعَرَاءِ، فَجَرَتْ مَسْأَلَةٌ فَسَكَتُوا لاسْتِمَاعِ كَلَامِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَ لَا تَتَكَلَّمُونَ؟» فَابْتَدَرَ أَحَدُهُمْ فَقَالَ: «لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا» . فَسَمِعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا، فَكَتَبَ فِي الْحَالَ رقعة لطيفة، فيها: (الكامل)
يا ذا الّذي قهر العباد (ب) بسيفه ... ماذا يصدّك (ت) أَنْ تَكُونَ إِلَهًا؟
انْطِقْ بِهَا فِيمَا ابْتَدَعْتَ (ث) فَإِنَّهُ ... لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَمْ تَقُلْهُ سِوَاهَا
ثم ألقاها فِي غِمَارِ الْمَجْلِسِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمْ أحد. فلما قاموا لمحها (ج) عَبْدُ الْمُؤْمِنِ فَدَعَا بِهَا وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا لِمَظْلُومٍ أَوْ طَالِبِ حَاجَةٍ. فَلَمَّا قَرَأَهَا أَمَرَ بِكُلِّ مِنْ يُعْرِفُ بِقَوْلِ الشِّعْرِ أَنْ يُحْبَسَ، فَحُبِسَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَائِلُهَا، لَمْ يَرَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ، فَطَالَعَ عَبْدَ الْمُؤْمِنِ بِذَلِكَ.
فَدَعَاهُ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ لَهُ: «مَا الذي دعاك إلى هذه؟» فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ غَيْرَةً عَلَى دِينِهِ، وَلَمْ يَرْضَ مَا خُوطِبَ بِهِ مِنَ قول الْقَائِلِ: «لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا» ، إذ هذا خطاب الملائكة لله- رجلّ وعلا- (ح) .
فَقَالَ: «يَا شَيْخُ مِثْلُكَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى حسن ونهى عن مكروه» ، ووصله وصلة (خ) حَسَنَةً، وَلَمْ يَهْجُهُ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ مِنْ قوله (د) : «انْطِقْ بِهَا فِيمَا ابْتَدَعْتَ» ، وَلَا أُنْكِرُهُ عَلَيْهِ (ذ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute