للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: أَمِير الْمُؤمنِينَ، يقرؤك السَّلَام، وَيَقُول لَك: أَنا أَحْمد الله، جلت عَظمته، الَّذِي وفقني لصلة رَحِمك، والصفح عَنْك، وَقد أمّنك، ورد عَلَيْك نِعْمَتك، وَجَمِيع ضياعك وأملاكك، فَانْصَرف إِلَى دَارك.

قَالَ: فَبَدَأت أَدْعُو لِلْمَأْمُونِ، وَغلب الْبكاء عَليّ والانتحاب، وَهُوَ يطالبني بِالْجَوَابِ، وَأَنا غير مُتَمَكن مِنْهُ.

فَقَالَ لي أَحْمد: لقد رَأَيْت مِنْك عجبا، أَخْبَرتك أَنِّي أمرت بِضَرْب عُنُقك، فَلم تجزع، وَلم تبك، ثمَّ أَخْبَرتك بتفضل أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْك، وصفحه عَنْك، فَلم تتمالك من الْبكاء.

فَقلت لَهُ: أما السُّكُوت عِنْد الْخَبَر الأول؛ فلأني لم أتوسم، مُنْذُ ظفر بِي، أَن أسلم من الْقَتْل، فَلَمَّا ورد عَليّ مَا لم أَشك فِيهِ؛ لم أجزع لَهُ، وَلم أبك.

وَأما بُكَائِي عِنْد الْخَبَر الثَّانِي، فوَاللَّه الْعَظِيم، شَأْنه مَا هُوَ عَن سرُور بِالْحَيَاةِ، وَلَا لرجوع النِّعْمَة، وَمَا بُكَائِي إِلَّا لما كَانَ مني فِي قطيعة رحم من عِنْده، بعد استحقاقي مِنْهُ الْقَتْل، مثل هَذَا الصفح الَّذِي لم يسمع فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، بِأَن أحدا أَتَى بِمثلِهِ، فقد حَاز أَمِير الْمُؤمنِينَ الثَّوَاب من الله، تَعَالَى، فِي صلَة رَحمَه، وبؤت أَنا بالإثم فِي قطيعة رحمي، وَقد أظهر إحسانه إساءتي، وحلمه جهلي، وفضله نقصي، وجوابي هُوَ مَا شاهدت وَسمعت.

فَرجع أَحْمد إِلَى الْمَأْمُون فَأخْبرهُ، ثمَّ عَاد إِلَيّ بِمَال وخلع، ومركوب، فَانْصَرَفت إِلَى دَاري ونعمتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>