فَقَالَ لي أَحْمد: لقد رَأَيْت مِنْك عجبا، أَخْبَرتك أَنِّي أمرت بِضَرْب عُنُقك، فَلم تجزع، وَلم تبك، ثمَّ أَخْبَرتك بتفضل أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْك، وصفحه عَنْك، فَلم تتمالك من الْبكاء.
فَقلت لَهُ: أما السُّكُوت عِنْد الْخَبَر الأول؛ فلأني لم أتوسم، مُنْذُ ظفر بِي، أَن أسلم من الْقَتْل، فَلَمَّا ورد عَليّ مَا لم أَشك فِيهِ؛ لم أجزع لَهُ، وَلم أبك.
وَأما بُكَائِي عِنْد الْخَبَر الثَّانِي، فوَاللَّه الْعَظِيم، شَأْنه مَا هُوَ عَن سرُور بِالْحَيَاةِ، وَلَا لرجوع النِّعْمَة، وَمَا بُكَائِي إِلَّا لما كَانَ مني فِي قطيعة رحم من عِنْده، بعد استحقاقي مِنْهُ الْقَتْل، مثل هَذَا الصفح الَّذِي لم يسمع فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، بِأَن أحدا أَتَى بِمثلِهِ، فقد حَاز أَمِير الْمُؤمنِينَ الثَّوَاب من الله، تَعَالَى، فِي صلَة رَحمَه، وبؤت أَنا بالإثم فِي قطيعة رحمي، وَقد أظهر إحسانه إساءتي، وحلمه جهلي، وفضله نقصي، وجوابي هُوَ مَا شاهدت وَسمعت.