للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِن من الْبَيَان لسحرًا

وَحكى الْحسن بن مُحَمَّد، قَالَ: قَالَ أَحْمد بن أبي داؤد: مَا رَأَيْت رجلا قطّ نزل بِهِ الْمَوْت، وعاينه، فَمَا أدهشه، وَلَا أذهله، وَلَا أشغله عَمَّا كَانَ أَرَادَهُ، وَأحب أَن يَفْعَله، حَتَّى بلغه، وخلصه الله تَعَالَى من الْقَتْل، إِلَّا تَمِيم بن جميل الْخَارِجِي، فَإِنَّهُ كَانَ تغلب على شاطئ الْفُرَات، فَأخذ، وَأتي بِهِ إِلَى المعتصم بِاللَّه.

فرأيته بَين يَدَيْهِ، وَقد بسط لَهُ النطع وَالسيف، فَجعل تَمِيم ينظر إِلَيْهِمَا، وَجعل المعتصم يصعد النّظر فِيهِ، ويصوبه.

وَكَانَ تَمِيم رجلا جميلًا، وسيمًا، جسيمًا، فَأَرَادَ المعتصم أَن يستنطقه، لينْظر أَيْن جنانه وَلسَانه، من منظره ومخبره.

فَقَالَ لَهُ المعتصم: يَا تَمِيم، تكلم، إِن كَانَ لَك حجَّة أَو عذر فأبده.

فَقَالَ: أما إِذْ أذن أَمِير الْمُؤمنِينَ بالْكلَام، فَأَقُول: الْحَمد لله الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه، وَقد خلق الْإِنْسَان من طين، ثمَّ جعل نَسْله من سلالة من مَاء مهين، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، جبر الله بك صدع الدَّين، وَلم شعث الْمُسلمين، وأخمد بك شهَاب الْبَاطِل، وأوضح نهج الْحق، إِن الذُّنُوب تخرس الْأَلْسِنَة، وتعمي الأفئدة، وأيم الله، لقد عظمت الجريرة، وانقطعت الْحجَّة، وَكبر الجرم،

<<  <  ج: ص:  >  >>