للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى فِي الْمَنَام أَن غناهُ بِمصْر

حَدثنِي أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن دَاوُد الْبَغْدَادِيّ، صَاحب كَانَ لأبي، وَكَانَ قَدِيما يخْدم القاضيين أَبَا عمر مُحَمَّد بن يُوسُف، وَابْنه أَبَا الْحُسَيْن فِي دورهما، وَكَانَت جدته تعرف بسمسمة، قهرمانة كَانَت فِي دَار القَاضِي أبي عمر مُحَمَّد بن يُوسُف رَحمَه الله، قَالَ: كَانَ فِي جوَار القَاضِي قَدِيما، رجل انتشرت عَنهُ حِكَايَة، وَظهر فِي يَده مَال جليل، بعد فقر طَوِيل، وَكنت أسمع أَن أَبَا عمر حماه من السُّلْطَان، فَسَأَلت عَن الْحِكَايَة، فدافعني طَويلا، ثمَّ حَدثنِي، قَالَ: ورثت عَن أبي مَالا جَلِيلًا، فأسرعت فِيهِ وأتلفته حَتَّى أفضيت إِلَى بيع أَبْوَاب دَاري وسقوفها، وَلم يبْق لي من الدُّنْيَا حِيلَة، وَبقيت مُدَّة بِلَا قوت إِلَّا من غزل أُمِّي، فتمنيت الْمَوْت.

فَرَأَيْت لَيْلَة فِي النّوم، كَأَن قَائِلا يَقُول لي: غناك بِمصْر، فَاخْرُج إِلَيْهَا.

فبكرت إِلَى أبي عمر القَاضِي، وتوسلت إِلَيْهِ بالجوار، وبخدمة كَانَت من أبي لِأَبِيهِ، وَسَأَلته أَن يزودني كتابا إِلَى مصر؛ لأتصرف بهَا، فَفعل، وَخرجت.

فَلَمَّا حصلت بِمصْر أوصلت الْكتاب، وَسَأَلت التَّصَرُّف، فسد الله عَليّ الْوُجُوه حَتَّى لم أظفر بِتَصَرُّف، وَلَا لَاحَ لي شغل.

ونفدت نفقتي، فَبَقيت متحيرا، وفكرت فِي أَن أسأَل النَّاس، وأمد يَدي على الطَّرِيق، فَلم تسمح نَفسِي، فَقلت: أخرج لَيْلًا، وأسأل، فَخرجت بَين العشاءين، فَمَا زلت أَمْشِي فِي الطَّرِيق، وتأبى نَفسِي الْمَسْأَلَة، ويحملني الْجُوع

<<  <  ج: ص:  >  >>