للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا قديم الْإِحْسَان لَك الْحَمد

حَدثنَا أَبُو الْحسن أَحْمد بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن البهلول التنوخي، قَالَ: كَانَ ينزل بِبَاب الشَّام من الْجَانِب الغربي من بَغْدَاد رجل مَشْهُور بالزهد وَالْعِبَادَة، يُقَال لَهُ: لَبِيب العابد، لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا.

وَكَانَ النَّاس ينتابونه، وَكَانَ صديقا لأبي، فَحَدثني لَبِيب، قَالَ: كنت مَمْلُوكا روميًا لبَعض الْجند، فرباني، وَعَلمنِي الْعَمَل بِالسِّلَاحِ، حَتَّى صرت رجلا، وَمَات مولَايَ بعد أَن أعتقني.

فتوصلت إِلَى أَن حصلت رزقه لي، وَتَزَوَّجت بامرأته، وَقد علم الله أنني لم أرد بذلك إِلَّا صيانتها، فأقمت مَعهَا مُدَّة.

ثمَّ اتّفق أَنِّي رَأَيْت يَوْمًا حَيَّة دَاخِلَة فِي جحرها، فَأَمْسَكت ذنبها، فانثنت عَليّ، فنهشت يَدي، فشلت.

وَمضى على ذَلِك زمَان طَوِيل، فشلت يَدي الْأُخْرَى، لغير سَبَب أعرفهُ، ثمَّ جَفتْ رجلاي، ثمَّ عميت، ثمَّ خرست.

وَكنت على ذَلِك الْحَال، ملقى، سنة كَامِلَة، لم تبْق لي جارحة صَحِيحَة، إِلَّا سَمْعِي، أسمع بِهِ مَا أكره، وَأَنا طريح على ظَهْري، لَا أقدر على الْكَلَام، وَلَا على الْحَرَكَة، وَكنت أسْقى وَأَنا رَيَّان، وأترك وَأَنا عطشان، وأهمل وَأَنا جَائِع، وَأطْعم وَأَنا شبعان.

فَلَمَّا كَانَ بعد سنة، دخلت امْرَأَة إِلَى زَوْجَتي، فَقَالَت: كَيفَ أَبُو عَليّ، لَبِيب؟

<<  <  ج: ص:  >  >>