للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَين الجاحظ وَأحمد بن أبي دؤاد

وجدت فِي بعض الْكتب: أُتِيَ بالجاحظ، إِلَى أَحْمد بن أبي دؤاد، بعد نكبة مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات مُقَيّدا فِي جُبَّة صوف.

فَقَالَ لَهُ ابْن أبي دؤاد: وَالله يَا عَمْرو مَا علمتك إِلَّا متناسيا للنعمة، جاحدا للصنيعة، معددا للمثالب، مخفيا للمناقب، وَإِن الْأَيَّام لَا تصلح مثلك، لفساد طويتك، وَسُوء اختبارك.

فَقَالَ لَهُ الجاحظ: خفض عَلَيْك، فوَاللَّه، لِأَن تكون الْمِنَّة لَك عَليّ، خير من أَن تكون لي عَلَيْك، وَلِأَن أُسِيء وتحسن، أحسن فِي الأحدوثة من أَن أُسِيء وتسيء، وَلِأَن تَعْفُو فِي حَال قدرتك، أجمل بك من أَن تنتقم.

فَقَالَ لَهُ ابْن أبي دؤاد: مَا علمتك إِلَّا كثير تزويق اللِّسَان، قد جعلت لسَانك أَمَام قَلْبك، ثمَّ اضطغنت فِيهِ النِّفَاق، اغرب قبحك الله.

فأنهض فِي قيوده، ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام، الْحَقْهُ، فَخذ قيوده، وصر بِهِ إِلَى الْحمام، واحمل إِلَيْهِ خلعة يلبسهَا، واحمله إِلَى منزل فِيهِ فرش وَآلَة وقماش تزاح فِيهِ علله، وادفع إِلَيْهِ عشرَة آلَاف دِرْهَم لنفقته، إِلَى أَن أصلح من خلته، فَفعل ذَلِك كُله.

فَلَمَّا كَانَ من الْغَد، رُؤِيَ الجاحظ متصدرا فِي مجْلِس ابْن أبي دؤاد، وَعَلِيهِ خلعة من ثِيَابه، وطويلة من قلانسه، وَهُوَ مقبل عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، يَقُول: هَات يَا أَبَا عُثْمَان.

<<  <  ج: ص:  >  >>