للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أول دُخُول الْأَصْمَعِي إِلَى الرشيد

وَذكر أَبُو الْحُسَيْن فِي كِتَابه أَيْضا، أَن الْأَصْمَعِي قَالَ: لَزِمت بَاب الرشيد، فَكنت أقيم عَلَيْهِ طول نهاري، وأبيت بِاللَّيْلِ مَعَ الحراس أسأمرهم، وأتوقع طالع سعد، حَتَّى كدت أَمُوت ضرا وهزالا، وَأَن أصير إِلَى ملالة، ثمَّ أَتَذكر مَا فِي عَاقِبَة الصَّبْر من الْفرج، فأؤمل صَلَاح حَالي بِاتِّفَاق مَحْمُود، فأصبر.

فَبينا أَنا ذَات لَيْلَة، وَقد قاسيت فِيهَا السهاد والأرق؛ إِذْ خرج بعض الْحجاب، فَقَالَ: هَل بِالْبَابِ أحد يحسن الشّعْر؟ فَقلت: الله أكبر، رب مضيق فكه التَّيْسِير، أَنا ذَلِك الرجل.

فَأخذ بيَدي، وَقَالَ: ادخل، فَإِن ختم لَك بالسعادة، فلعلها أَن تكون لَيْلَة تقر عَيْنك فِيهَا بالغنى.

فَقلت: بشرك الله بِخَير، وَدخلت، فواجهت الرشيد فِي البهو جَالِسا، والخدم قيام على رَأسه، وجعفر بن يحيى الْبَرْمَكِي، جَالس إِلَى جنبه.

فَوقف بِي الْحَاجِب حَيْثُ يسمع تسليمي، فَسلمت، ثمَّ قَالَ: تَنَح قَلِيلا حَتَّى تسكن، إِن كنت وجدت روعة.

فَقلت فِي نَفسِي: فرْصَة تفوتني آخر الدَّهْر، إِن شغلت بِعَارِض؛ فَلَا أعتاض مِنْهَا إِلَّا كمدا، حَتَّى يصفق عَليّ الضريح، فَقلت: إضاءة كرم أَمِير الْمُؤمنِينَ، وبهاءه جده، يجردان من نظر إِلَيْهِ من أذية النَّفس، يسألني، أيده الله، فَأُجِيب، أَو أبتدئ فأصيب؟ فَتَبَسَّمَ إِلَيّ جَعْفَر، وَقَالَ: مَا أحسن مَا استدعى الْإِحْسَان، وحري بِهِ أَن يكون محسنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>