للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شفَاه مَنَام رَآهُ أحد أَصْحَابه

حَدثنِي أَبُو الْفرج عبد الْوَاحِد بن نصر الْكَاتِب الْمَعْرُوف بالببغاء، قَالَ: اعتللت بحلب عِلّة، جف مِنْهَا بدني كُله، فَكنت كالخشبة، لَا أقدر على أَن أتحرك أَو أحرك، وَنحل جسمي، وتقلبت بِي أعلال مُتَّصِلَة متضادة صعبة، فَمَكثت حَلِيف الْفراش ثَلَاث سِنِين، وآيسني الْأَطِبَّاء من الْبُرْء، وَقَطعُوا مداواتي.

وَكَانَ لي صديق شيخ يعرف بِأبي الْفرج بن دارم، من أهل بلدي، يَعْنِي: نَصِيبين، مُقيم بحلب، مواظب على عيادتي، وملازم لي، وَكَانَ لفرط اغتمامه بِي، وَأَن الْأَطِبَّاء قد آيسوه مني، يظْهر لي من الْجزع عَليّ أمرا يؤلم قلبِي، ويؤيسني من نَفسِي، ثمَّ تجَاوز ذَلِك إِلَى التَّصْرِيح باليأس، وتوطيني عَلَيْهِ، ثمَّ تعدى هَذَا إِلَى أَن صَار لَا يملك دمعته إِذا خاطبني.

فضعفت عَن تحمل هَذَا، وتضاعفت بِهِ علتي، وخارت مَعَه قوتي، فاعتقدت أَن أَقُول لغلامي أَن يترصده، فَإِذا جَاءَ الرجل إِلَيّ قَالَ لَهُ عني: إِنِّي لَا أستحسن حجابه، وَإِن علتي تضاعفت مِمَّا أشاهده، وأسمعه مِنْهُ، ويسأله أَن يَنْقَطِع عني، أَو يقطع مخاطبتي بِمَا فِيهِ إِيَاس لي، وقررت عزمي على هَذَا فِي لَيْلَة من اللَّيَالِي، وَلم أخاطب بِهِ غلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>