للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصدفة تنجي عَامل كوثى من الْقَتْل

وَبَلغنِي عَن رجل من أهل كوثى، قَالَ: كَانَ يتقلد بلدنا رجل عَامل من قبل أبي الْحسن بن الْفُرَات، فِي بعض وزاراته، فَافْتتحَ الْخراج وَاشْتَدَّ فِي الْمُطَالبَة.

وَكَانَ فِي أَطْرَاف الْبَلَد قوم من الْعَرَب قد زرعوا من الأَرْض مَا لَا يتجاسر الأكرة على زراعته، وَكَانَ الْعمَّال يسامحونهم بِبَعْض مَا يجب عَلَيْهِم من الْخراج.

فطالبهم هَذَا الْعَامِل بالخراج على التَّمام أُسْوَة بالأكرة، وأحضر أحدهم فحقق عَلَيْهِ الْمُطَالبَة، وَهُوَ مُمْتَنع، فَأمر بصفعه، فصفع حَتَّى أدّى الْخراج، وَانْصَرف، فَشَكا إِلَى بني عَمه، فتوافقوا على كبس الْعَامِل لَيْلًا، وَقَتله، وراسلوا فِي ذَلِك غَيرهم من الْعَرَب، واتعدوا لليلة بِعَينهَا.

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي تليه تِلْكَ اللَّيْلَة، ورد إِلَى النَّاحِيَة عَامل آخر، صارفا للْأولِ، فَقبض عَلَيْهِ، وصفعه، وضربه بالمقارع، وَأخذ خطه بِمَال، وَقَيده، وَأمر بِأَن يحمل إِلَى قَرْيَة أُخْرَى على فراسخ من الْبَلَد، فحبس فِيهَا، ووكل بِهِ عشرَة من الرجالة، وسيره مرّة مَاشِيا، وَمرَّة على حمَار من حمير الشوك، فكاد مِمَّا لحقه أَن يتْلف، وَحصل فِي تِلْكَ الْقرْيَة.

وَكَانَ لَهُ غُلَام قد رباه، وَهُوَ خصيص بِهِ، عَارِف بِجَمِيعِ أُمُوره، فهرب عِنْد وُرُود الصَّارِف، فَلَمَّا كَانَ من الْغَد، لم يشْعر المصروف الْمَحْبُوس إِلَّا بغلامه الَّذِي رباه قد دخل عَلَيْهِ، وَكَانَ مَجِيئه إِلَيْهِ أَشد عَلَيْهِ من جَمِيع مَا لحقه إشفاقا

<<  <  ج: ص:  >  >>