للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَارق جَارِيَته ثمَّ أجتمع شملهما

حَدثنِي عبيد الله بن مُحَمَّد بن الْحسن الصروي، قَالَ: حَدثنِي أبي، قَالَ: كَانَ بِبَغْدَاد رجل من أَوْلَاد النعم، ورث من أَبِيه مَالا جَلِيلًا، وَكَانَ يتعشق جَارِيَة، وَأنْفق عَلَيْهَا شَيْئا كثيرا، ثمَّ اشْتَرَاهَا، وَكَانَت تحبه ويحبها، فَلم يزل ينْفق مَاله عَلَيْهَا إِلَى أَن أفلس.

فَقَالَت لَهُ الْجَارِيَة: يَا هَذَا، قد بَقينَا كَمَا ترى، فَلَو طلبت معاشًا نقتات مِنْهُ.

قَالَ: فَلم يجد لَهُ صناعَة غير الْغناء، إِذْ كَانَ الْفَتى من محبته لِلْجَارِيَةِ، وإحضاره المغاني إِلَيْهَا، ليزيدوها فِي صنعتها، قد تعلم الضَّرْب والغناء، وَخرج صَالحا فِي طبقَة الْغناء والحذق فِيهِ.

فَشَاور بعض معارفه، فَقَالَ: مَا أعرف لَك معاشًا أصلح من أَن تغني للنَّاس، وَتحمل جاريتك إِلَيْهِم فتأخذ على هَذَا الْكثير، ويطيب عيشك.

فَأَنف من ذَلِك، وَعَاد إِلَيْهَا، فَأَخْبرهَا بِمَا أُشير عَلَيْهِ بِهِ، وأعلمها أَن الْمَوْت أشهى عِنْده من هَذَا، فَصَبَرت مَعَه على الشدَّة مُدَّة.

ثمَّ قَالَت: قد رَأَيْت لَك رَأيا.

فَقَالَ: قولي.

قَالَت: تبيعني، فَإِنَّهُ يحصل لَك من ثمني مَا تعيش بِهِ عَيْشًا صَالحا، وتخلص من هَذِه الشدَّة، وأحصل أَنا فِي نعْمَة، فَإِن مثلي لَا يَشْتَرِيهَا إِلَّا ذُو نعْمَة.

فحملها إِلَى سوق النخاسين، فَكَانَ أول من اعترضها فَتى هاشمي من أهل الْبَصْرَة، ظريف، قد ورد بَغْدَاد للعب والتمتع، فاشتراها بِأَلف

<<  <  ج: ص:  >  >>