وَخمْس مائَة دِينَار عينا.
قَالَ الرجل: فحين لفظت بِالْبيعِ، وقبضت الثّمن، نَدِمت، واندفعت فِي بكاء عَظِيم، وحصلت الْجَارِيَة فِي أقبح من صُورَتي، وجهدت فِي الْإِقَالَة، فَلم يكن إِلَى ذَلِك سَبِيل.
فَأخذت الدَّنَانِير فِي الْكيس، وَأَنا لَا أَدْرِي إِلَى أَيْن أذهب، لِأَن بَيْتِي موحش مِنْهَا، وَورد عَليّ من اللَّطْم والبكاء مَا هوسني.
فَدخلت مَسْجِدا، وَجَلَست فِيهِ أبْكِي، وأفكر فِيمَا أعمل، فحملتني عَيْني، فَتركت الْكيس تَحت رَأْسِي كالمخدة، ونمت.
فَمَا شَعرت إِلَّا بِإِنْسَان قد جذبه من تَحت رَأْسِي فانتبهت فَزعًا، فَإِذا بِإِنْسَان قد أَخذ الْكيس، وَمر يعدو، فَقُمْت لعدو وَرَاءه، فَإِذا رجْلي مشدودة بخيط فِي وتد مَضْرُوب فِي آخر الْمَسْجِد، فَإلَى أَن تخلصت من ذَلِك، غَابَ الرجل عَن عَيْني.
فَبَكَيْت، ولطمت، ونالني أَمر أَشد من الأول، وَقلت: قد فَارَقت من أحب، وبعته، لأستغني بِثمنِهِ عَن الصَّدَقَة، فقد صرت الْآن فَقِيرا، مفارقًا لمن أحب.
فَجئْت إِلَى دجلة، ولففت وَجْهي برداء كَانَ على راسي، وَلم أكن أحسن أسبح، ورميت بنفسي فِي المَاء لأغرق.
فَظن الْحَاضِرُونَ أَن ذَلِك لغلط وَقع عَليّ، فَطرح قوم نُفُوسهم خَلْفي، فأخذوني، وسألوني عَن أَمْرِي، فَأَخْبَرتهمْ، وَبقيت مِنْهُم بَين رَاحِم ومستجهل.
إِلَى أَن خلا بِي شيخ مِنْهُم، فَأخذ يعظني، وَيَقُول: يَا هَذَا، ذهب مَالك، فَكَانَ مَاذَا حَتَّى تتْلف نَفسك، أَو مَا علمت أَن فَاعل هَذَا فِي نَار جَهَنَّم، وَلست أول من افْتقر بعد غنى، فَلَا تفعل وثق بِاللَّه تَعَالَى.
ثمَّ قَالَ لي: أَيْن مَنْزِلك؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute