للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ فِيمَا مضى من الدَّهْر، وَلَا على وَجه الأَرْض أَخبث سريرة، وَلَا أكفر لنعمة، وَلَا أدنأ طبعا من هَذَا الَّذِي لَا يشْكر من أعطَاهُ، وَوزن عَنهُ هَذَا المَال الْعَظِيم.

قَالَ: وصرت إِلَى الرشيد، وقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة، وطويت عَنهُ مَا تمثل بِهِ مَنْصُور، خوفًا أَن يقْتله إِذا سمع ذَلِك.

فَقَالَ الرشيد: قد علمت أَنه إِن نجا فَإِنَّمَا ينجو بِأَهْل هَذَا الْبَيْت، أطلق الرجل، واقبض المَال، واردد العقد، فَإِنِّي لم أكن أهب هبة، وَترجع إِلَى مَالِي.

قَالَ صَالح: فَلم أطب نفسا إِلَّا بتعريف يحيى مَا قَالَه مَنْصُور، فَرَجَعت إِلَيْهِ وأطنبت فِي شكره، وَوصف مَا كَانَ مِنْهُ.

وَقلت لَهُ: وَلَكِنَّك أَنْعَمت على غير شَاكر قَابل أكْرم فعل، بألأم قَول.

قَالَ: فَأَخْبَرته بِمَا كَانَ، فَجعل، وَالله، يطْلب لَهُ المعاذير، وَيَقُول: يَا أَبَا عَليّ إِن المنخوب الْقلب، رُبمَا سبقه لِسَانه، بِمَا لَيْسَ فِي ضَمِيره.

وَقد كَانَ الرجل فِي حَال عَظِيمَة.

فَقلت: وَالله، مَا أَدْرِي من أَي أمريك أعجب، من أَوله، أَو من آخِره، ولكنني أعلم أَن الدَّهْر لَا يخلف مثلك أبدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>