للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فجمعنا كل مَا فِي مَنَازلنَا، من صَامت وَغَيره، فَلم يبلغ عشر المَال.

فَقَالَ: يَا بني، إِن كَانَت لنا حِيلَة فِي الْحَيَاة، فَمن قبل عمَارَة بن حَمْزَة، وَإِلَّا فَأَنا مقتول العشية، فألقه، وأذكر لَهُ الصُّورَة.

فمضيت إِلَى بَابه، فاستؤذن لي عَلَيْهِ.

فَدخلت، وَهُوَ مُضْطَجع قد غاص فِي فرش لَهُ، مَا يكَاد يبين إِلَّا وَجهه، فوَاللَّه مَا تحرّك، وسلمت، فَأَوْمأ إِلَيّ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَست بَعيدا مِنْهُ، فَلم يعرني الطّرف.

فَانْكَسَرت نَفسِي، وَقلت: أَي خير عِنْد من هَذَا لقاؤه، وَهَذَا عنون أمره، فَأَمْسَكت لَا أَتكَلّم، مفكرًا فِي الْكَلَام، أَو الْقيام، فَقَالَ: اذكر حَاجَة إِن كنت أتيت لَهَا.

فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة، فوَاللَّه مَا أجابني بِحرف، أَكثر من قَوْله: امْضِ، فَإِن الله يَكْفِيك.

فَقُمْت متحيرًا، أجر رجْلي، لَا أَشك فِي أَنه قد آيسني، وَقلت: إِن عدت إِلَى أبي بِهَذَا الْجَواب مَاتَ غمًا قبل ضرب الْعُنُق.

فتوقفت سَاعَة، لَا أَدْرِي مَا أصنع، ثمَّ قلت: على كل حَال، أمضي إِلَيْهِ فأونسه، فَإِن كَانَت لَهُ حِيلَة أُخْرَى شرعنا فِيهَا قبل انصرام النَّهَار.

فَجئْت، فَوجدت على الْبَاب بغالًا كَثِيرَة محملة.

فَقلت لمن مَعهَا: من أَنْتُم؟ قَالُوا: أنفذنا عمَارَة إِلَيْكُم بِمَال على هَذِه البغال.

فَدخلت، فَعرفت أبي بِمَا جرى لي، وأخذنا المَال فصححناه، وَمَا صليت الْعَصْر حَتَّى عرف الْمهْدي الصُّورَة، وَأَفْرج عَن أبي وَكَانَ ذَلِك سَبَب رِضَاهُ عَنهُ، وَصَلَاح نِيَّته لَهُ.

فَلَمَّا كَانَ بعد شَهْرَيْن، ورد لنا من فَارس مَال عَظِيم كثير، فَقَالَ لي أبي:

<<  <  ج: ص:  >  >>