للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفسك من أَن ينتشر خبرك من جهتك، فَلَيْسَ معي من جهتي من يدْخل عَلَيْك أَو يخرج مِنْك، فتهلك نَفسك، وتهلكني، فَإنَّك تعلم أَن هَذَا الرجل ظَالِم جَاهِل، لَا يعرف حق مثلي.

فَقلت: مَا معي غير هَذِه الْعَجُوز، وَلست أدعها تخرج.

فَقَالَت: هَذَا هُوَ الصَّوَاب.

فأقمت عِنْدهَا مُدَّة، فَكَانَت تجيئني كل يَوْم، وتعرفني أَخْبَار الدُّنْيَا، وتحادثني سَاعَة، وتنصرف، وَتحمل إِلَيّ كل شَيْء فاخر، من الْمَأْكُول، والمشروب، والبخور، وَأَخْدَم بِمَا لم أخدم بِمثلِهِ فِي أَيَّام دَوْلَتِي.

فَلَمَّا كَانَ فِي غَدَاة يَوْم بعد حصولي عِنْدهَا، قَالَت: يَا أَبَا جَعْفَر، أَنْت وَحدك، وَلَيْسَ يصلح أَن يخدمك كل أحد، وَقد حملت إِلَيْك هَذِه الْجَارِيَة، وأومأت إِلَى وصيفة كَانَت مَعهَا، فِي نِهَايَة الْحسن وَالْجمال، فاستخدمها، وَإِنَّهَا تَقول مقَام فراشة، وَقد أَهْدَيْتهَا لَك، وَإِن احتجت إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الرِّجَال، صلحت لذَلِك أَيْضا.

فَقبلت ذَلِك، وشكرتها، ودعوت لَهَا.

وتأملت الْجَارِيَة، فَإِذا هِيَ تغني أحسن غناء وأطيبه، فَكَانَ عيشي مَعهَا أطيب من عيشي أَيَّام الدولة.

وَمضى على استتاري نَحْو شَهْرَيْن، لَا يخرج من عِنْدِي أحد، وَلَا يدْخل إِلَيّ غير الْجَارِيَة.

فَقلت لَهَا يَوْمًا: قد تطلعت نَفسِي إِلَى معرفَة الْأَخْبَار، وإنفاذ هَذِه الْعَجُوز إِلَى من تتعرف ذَلِك مِنْهُ.

فَقَالَت: افْعَل، واحتفظ جهدك.

فَكتبت مَعَ الْعَجُوز كتابا إِلَى وَكيل لي أَثِق بِهِ، آمره أَن يتعرف لي الْأَخْبَار،

<<  <  ج: ص:  >  >>