قَالَ عَنْبَسَة: فَخرجت بِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق، قَالَ لي: هَل فِيك خير يَا فَتى؟ قلت: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: إِنِّي، وَالله الْعَظِيم، مَا خرجت على الْمُسلمين قطّ وَلَا استحللت قِتَالهمْ، وَعِنْدِي ودائع وأموال، فتخلى عني، حَتَّى آتِي أَهلِي فأرد على كل ذِي حق حَقه، وَأَجْعَل لَك عهد الله عز وَجل، أَنِّي أرجع إِلَيْك من غَد.
فتعجبت مِنْهُ، وتضاحكت بِهِ.
فمضينا سَاعَة، فَأَعَادَ القَوْل عَليّ، فَقلت لَهُ: إذهب، فَذهب.
فَلَمَّا توارى عني شخصه، أسقط فِي يَدي، فَأتيت أَهلِي وَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر، فَقَالُوا: لقد اجترأت على الْحجَّاج.
وَبت بأطول لَيْلَة، فَلَمَّا طلع الْفجْر، إِذا أَنا بِهِ قد جَاءَ.
فَقلت: أرجعت؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، جعلت الله عز وَجل، لَك كَفِيلا، ثمَّ لَا أرجع؟ قَالَ: فَانْطَلَقت بِهِ إِلَى الْحجَّاج.
فَقَالَ: أَيْن أسيرك؟ فَقلت: بِالْبَابِ، أصلح الله الْأَمِير، وَقد كَانَت لي وَله قصَّة.
قَالَ: مَا هِيَ؟ فَأَخْبَرته الْخَبَر، وأدخلته عَلَيْهِ.
فَقَالَ لي: أَتُحِبُّ أَن أهبه لَك؟ قلت: نعم.
قَالَ: هُوَ لَك.
فَأَخْرَجته معي، وَقلت لَهُ: خُذ أَي طَرِيق شِئْت، فَرفع طرفه إِلَى السَّمَاء، وَقَالَ: الْحَمد لله، وَانْصَرف، وَمَا كلمني بِكَلِمَة.
فَقلت فِي نَفسِي: هَذَا مَجْنُون.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute