وسقت أَنا الْحمار، وأسرعت مَعَ الْقَافِلَة، وَبَلغت الحائر، وزرنا، ورجعنا إِلَى بَغْدَاد.
فاسترحت فِي بَيْتِي أَيَّامًا، ثمَّ أخذت الْحمار وَجئْت بِهِ إِلَى منزله، لأسلمه إِلَى عِيَاله، فدققت الْبَاب، فَخرج إِلَيّ الرجل بِعَيْنِه.
فحين رَأَيْته طَار عَقْلِي وَشَكَكْت فِيهِ، فعانقني، وَبكى وبكيت.
فَقلت: حَدثنِي حَدِيثك.
فَقَالَ: إِن السَّبع سَاعَة أَخَذَنِي جرني إِلَى الأجمة، ثمَّ سَمِعت صَوت شَيْء، وَرَأَيْت الْأسد قد خلاني وَمضى، ففتحت عَيْني، فَإِذا الَّذِي سَمِعت صَوت خِنْزِير، وَإِذا السَّبع لما رَآهُ عنّ لَهُ أَن يتركني، وَمضى فصاده وبرك عَلَيْهِ يفترسه وَأَنا أشاهده، إِلَى أَن فرغ مِنْهُ، ثمَّ خرج من الأجمة وَغَابَ عني.
فسكنت، وتأملت حالتي، فَوجدت مخاليبه قد وصلت إِلَى فَخذي وصُولا قَلِيلا، وقوتي قد عَادَتْ.
فَقلت: لأي شَيْء جلوسي هَاهُنَا؟ فَقُمْت أَمْشِي فِي الأجمة، أطلب الطَّرِيق، فَإِذا بجيف نَاس، وبقر، وغنم، وَعِظَام باليات، وآثار من قد فرسهم الْأسد.
فَمَا زلت أتخطاهم، حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى رجل قد أكل الْأسد بعض جسده، وَبَقِي أَكْثَره، وَهُوَ طري، وَفِي وَسطه هميان قد تخرق بعضه وَظَهَرت مِنْهُ دَنَانِير.
فتقدمت، فجمعتها، وَقطعت الْهِمْيَان، وَأخذت جَمِيع مَا فِيهِ، وتتبعتها، حَتَّى لم يبْق مِنْهَا شَيْء.
وقويت نَفسِي، وأسرعت فِي الْمَشْي، وَطلبت الجادة فَوَقَعت عَلَيْهَا، واستأجرت حمارا، وعدت إِلَى بَغْدَاد، وَلم أمض إِلَى الزِّيَارَة، لِأَنِّي خشيت أَن تسبقوني، فتذكروا خبري لأهلي، فَيصير عِنْدهم مأتم، فسبقتكم، وَأَنا أعالج
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute