فجنني اللَّيْل، واستنفذ الْمَشْي جلدي، وَاسْتَوْحَشْت، وَخفت الوحوش فِي الْجَبَل، فطلبت موضعا أسكن فِيهِ لَيْلَتي، فَلم أجد.
وَرَأَيْت جِبَابًا كَثِيرَة منقورة فِي أَرض الْجَبَل، فطلبت أقربها قعرًا، ورميت فِيهِ حجرا، فَظَنَنْت أَن قَعْره قامة أَو نَحْوهَا، فرميت بنفسي فِيهِ.
وَكَانَ الْبرد شَدِيدا، فَنمت لَيْلَتي وَأَنا لَا أَعقل من التَّعَب والجوع.
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد، انْتَبَهت، وَعِنْدِي أَن الْجب محفور كالآبار، وَأَنِّي أَضَع رجْلي فِي جوانبه، فأتسلق وأطلع، فتأملته، فَإِذا هُوَ محفور كالتنور، رَأسه ضيق، وأسفله وَاسع شَدِيد السعَة، وجوانبه منقوشة، فَقُمْت فِي الْجب فَإِذا هُوَ أَعلَى من قامتي.
فتحيرت فِي أَمْرِي، فَلم أدر كَيفَ أعمل، وَكَيف السَّبِيل إِلَى الصعُود.
وطلعت الشَّمْس، وأضاء الْجب، فَإِذا فِيهِ أَفْعَى مدور كالطبق وَقد سدر من الْبرد، فَلَيْسَ ينتشر، وَلم يَتَحَرَّك من مَكَانَهُ، فتجنبت مَكَانَهُ.
وهممت أَن أجرد السَّيْف وأقطع الأفعى، ثمَّ قلت: أتعجل شرا لَا أَدْرِي عاقبته، وَلَا مَنْفَعَة لي فِي قَتله، لِأَنِّي سأتلف فِي هَذِه الْبِئْر، وَهِي قَبْرِي، فَمَا معنى قتل الأفعى؟ أَدَعهُ، فَلَعَلَّهُ أَن يَبْتَدِئ بالنهش، فأتعجل التّلف، وَلَا أرى نَفسِي تخرج بِالْجُوعِ والعطش.
فأقمت يومي كُله على ذَلِك، والأفعى لم تتحرك وَأَنا أبْكِي وأنوح على نَفسِي، وَقد يئست من الْحَيَاة.
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد، أَصبَحت، وَقد ضعفت، فَحَمَلَنِي حب الْحَيَاة على الْفِكر فِي الْخَلَاص، فَقُمْت، وجمعت من حِجَارَة رقيقَة كَانَت فِي الْجب شَيْئا كثيرا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute