للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذكرت بعد أَن عَادَتْ، أَن ابْني قد نهاها عَن أكل مَا فِي الغضارة، ووجدتها قد ذهب كثير مِمَّا كَانَ فِيهَا، وَبَقِي بعضه متغير اللَّوْن.

قَالَت: فَقلت لَهُ: مَا السَّبَب؟ فَقَالَ: رَأَيْت أَفْعَى عَظِيمَة قد خرجت من مَوضِع ودبت إِلَيْهَا وأكلت مِنْهَا ثمَّ قذفت فِيهَا، فَصَارَ لَوْنهَا كَمَا تَرين، فَقلت: أَنا ميت، وهوذا يلحقني ألم شَدِيد، وَمَتى أظفر بِمثل هَذَا؟ وَجئْت، فَأكلت من الغضارة مَا اسْتَطَعْت، لأموت عَاجلا وأستريح، فَلَمَّا لم أستطع زِيَادَة أكل رجعت حَتَّى جِئْت إِلَى فِرَاشِي، وَجئْت أَنْت.

قَالَت: وَرَأَيْت أَنا المضيرة على يَده وفمه فَصحت.

فَقَالَ: لَا تعلمي أبي شَيْئا، وادفني الغضارة بِمَا فِيهَا، لِئَلَّا يأكلها إِنْسَان فَيَمُوت، أَو حَيَوَان فيلسع إنْسَانا فيقتله، فَفعلت مَا قَالَ، وَخرجت إِلَيْك.

قَالَ: فَلَمَّا عَرفتنِي ذَلِك، ذهب عَليّ أَمْرِي، وَدخلت إِلَى ابْني، فَوَجَدته نَائِما.

فَقلت: لَا توقظيه، حَتَّى نَنْظُر مَا يكون من أمره.

فَأَتَيْته آخر النَّهَار، وَقد عرق عرقًا شَدِيدا، وَهُوَ يطْلب المستحم، فأنهضناه إِلَيْهِ، فَانْدفع بَطْنه، فَقَامَ من ليلته، وَمن غده، أَكثر من مائَة مجْلِس، فازداد يأسنا مِنْهُ، وَقل الْقيام، إِلَّا أَنه اسْتمرّ أَيَّامًا، ثمَّ انْقَطع الْقيام، وَقد صَار بَطْنه مثل بطُون الأصحاء، فَطلب فراريج، فَأكل، إِلَى أَن صَار كَمَا ترى.

فعجبت من ذَلِك، وَذكرت أَن الْحُكَمَاء الْأَوَائِل قَالَت: إِن المستسقي إِذا أكل من لحم حَيَّة عتيقة مزمنة لَهَا مئون سِنِين، برأَ، وَلَو قلت لَك: إِن هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>