للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يسلبها، وحكايات كَثِيرَة مثل ذَلِك.

فأطمعني ذَلِك فِي أَن يرق لي، فَصَعدت إِلَى الْموضع الَّذِي هُوَ جَالس فِيهِ، وخاطبته فِي أَمْرِي، وبكيت، ورققته، ووعظته، وَحلفت لَهُ أَن جَمِيع مَا أملكهُ قد أَخذه، وَأَنِّي أحتاج إِلَى أَن أَتصدق من بعده.

فَقَالَ لي: يَا هَذَا، الله بَيْننَا وَبَين هَذَا السُّلْطَان الَّذِي أحوجنا إِلَى هَذَا، فَإِنَّهُ قد أسقط أرزاقنا، وأحوجنا إِلَى هَذَا الْفِعْل، ولسنا فِيمَا نفعله نرتكب أمرا أعظم مِمَّا يرتكبه السُّلْطَان.

وَأَنت تعلم أَن ابْن شيرزاد بِبَغْدَاد يصادر النَّاس ويفقرهم، حَتَّى أَنه يَأْخُذ الْمُوسر المكثر، فَلَا يخرج من حَبسه، إِلَّا وَهُوَ لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْء غير الصَّدَقَة، وَكَذَلِكَ يفعل البريدي بواسط وَالْبَصْرَة، والديلم بالأهواز.

وَقد علمت أَنهم يَأْخُذُونَ أصُول الضّيَاع، والدور، وَالْعَقار، ويتجاوزون ذَلِك إِلَى الْحرم وَالْأَوْلَاد، فَاحْسبْ أننا نَحن مثل هَؤُلَاءِ، وَأَن وَاحِدًا مِنْهُم صادرك.

فَقلت: أعزّك الله، ظلم الظلمَة، لَا يكون حجَّة، والقبيح لَا يكون سنة، وَإِذا وقفت أَنا وَأَنت، بَين يَدي الله عز وَجل، أترضى أَن يكون هَذَا جوابك لَهُ؟ فَأَطْرَقَ مَلِيًّا، وَلم أَشك فِي أَنه يقتلني، ثمَّ رفع رَأسه، فَقَالَ: كم أَخذ مِنْك؟ فصدقته.

فَقَالَ: أحضروه، فأحضر، فَكَانَ كَمَا ذكرت، فَأَعْطَانِي نصفه.

فَقلت لَهُ: الْآن، قد وَجب حَقي عَلَيْك، وَصَارَ لي بإحسانك إِلَيّ حُرْمَة.

فَقَالَ: أجل.

فَقلت: إِن الطَّرِيق فَاسد، وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أتجاوزك حَتَّى يُؤْخَذ هَذَا مني أَيْضا، فأنفذ معي من يوصلني إِلَى المأمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>