قَالَ: فقطعنا قطاره وكتفناه، وَأَدْخَلْنَاهُ وَمَا مَعَه بَين الْجبَال، ووقعنا على مَا مَعَه، وفرحنا بِالْغَنِيمَةِ.
وَكَانَ للرجل برذون أصفر يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم، فَلَمَّا رآنا نُرِيد القفول، قَالَ: يَا فتيَان، هنأكم الله بِمَا أَخَذْتُم، وَلَكِنِّي رجل حَاج، بعيد الدَّار، فَلَا تتعرضوا لسخط الله بمنعي من الْحَج، وَأما المَال فَيذْهب وَيَجِيء، وتعلمون، أَنه لَا نجاة لي إِلَّا على هَذَا البرذون، فاتركوه لي، فَلَيْسَ يبين ثمنه فِي الْغَنِيمَة الَّتِي أخذتموها، فتشاورنا على ذَلِك.
فَقَالَ شيخ فِينَا مجرب: لَا تردوه عَلَيْهِ، واتركوه مكتوفًا هُنَا، فَإِن كَانَ فِي أَجله تَأْخِير، فسيقيض الله لَهُ من يحل كِتَافِهِ، وَكنت فِيمَن عزم على هَذَا.
وَقَالَ بَعْضنَا: مَا مِقْدَار دَابَّة بِمِائَتي دِرْهَم حَتَّى نمنعها رجلا حَاجا، فَلَا حَاجَة لنا فِيهَا، وَجعلُوا يرققون قُلُوب البَاقِينَ حَتَّى سمحنا بذلك، فأطلقناه، وَلم نَدع عَلَيْهِ إِلَّا ثوبا يستر عَوْرَته.
فَقَالَ: يَا فتيَان، قد مننتم عَليّ، وأحسنتم إِلَيّ، ورددتم دَابَّتي، وأخشى إِذا أَنا سرت أَن يَأْخُذهَا غَيْركُمْ، فأعطوني قَوس ونشابي، أذب بهَا عَن نَفسِي وَعَن فرسي.
فَقُلْنَا: إِنَّا لَا نرد سِلَاحا على أحد.
فَقَالَ بَعْضنَا: وَمَا مِقْدَار قَوس قِيمَته دِرْهَمَانِ، وَمَا نخشى من مثل هَذَا؟ فأعطيناه قوسه ونشابه، وَقُلْنَا لَهُ: انْصَرف، فشكرنا، ودعا لنا، وَمضى حَتَّى غَابَ عَن أَعيننَا.
فَمَا كدنا نسير، وَالْجَارِيَة تبْكي، وَتقول: أَنا حرَّة، وَلَا يحل لكم أَن تأخذوني.
فَنحْن فِي هَذَا، وَإِذا بِالرجلِ قد كرّ رَاجعا، وَقَالَ: يَا فتيَان، أَنا لكم نَاصح، فَإِنَّكُم قد أَحْسَنْتُم إِلَيّ، وَلَا بُد لي من مكافأتكم على إحسانكم، بنصيحتي لكم.
فَقُلْنَا: وَمَا نصيحتك؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute