فَلَمَّا حصل من يعترضها، وَخرجت فغنتكم، لَحِقَنِي من القلق والبكاء لفراقها أَمر عَظِيم، فَدخلت إِلَيّ، وَقَالَت: يَا هَذَا، مَا أعجب أَمرك، أَنْت مللتني، وَأَرَدْت بيعي وفراقي، وتبكي هَذَا الْبكاء؟ فَقلت لَهَا: يَا هَذِه، إِن فِرَاق نَفسِي أسهل عَليّ من فراقك، وَإِنَّمَا أردْت أَن تتخلصي من هَذَا الشَّقَاء.
فَقَالَت: وَالله، لَو ملكتُ مِنْك مَا ملكتَ مني، مَا بِعْتُك أبدا، وأموت جوعا وعريًا، فَيكون الْمَوْت هُوَ الَّذِي يفرق بَيْننَا.
فَقلت: أَتُرِيدِينَ أَن تعلمي صدق قولي؟ قَالَت: نعم.
قلت: هَل لَك أَن أخرج السَّاعَة إِلَى المُشْتَرِي فأعتقك بَين يَدَيْهِ وأتزوجك، ثمَّ أَصْبِر مَعَك على مَا نَحن فِيهِ إِلَى أَن يَأْذَن الله تَعَالَى بفرج أَو موت؟ فَقَالَت: إِن كَانَ قَوْلك صَادِقا، فافعل مَا بدا لَك من هَذَا، فَمَا أُرِيد غَيره.
فَخرجت إِلَيْكُم فَكَانَ مني مَا قد علمْتُم، فاعذروني.
فَقَالَ جَعْفَر الْوَزير: أَنْت مَعْذُور، ونهض، ونهضت مَعَه، والنخاس مَعنا.
فَلَمَّا قدم حِمَاره ليركب، دَنَوْت مِنْهُ، وَقلت: يَا سُبْحَانَ الله، مثلك فِي جودك، يرى مثل هَذِه المكرمة، فَلَا ينتهز الفرصة فِيهَا؟ وَالله، لقد تقطع قلبِي عَلَيْهِمَا.
فَقَالَ: وَيحك، وقلبي، وَالله، كَذَلِك، وَلَكِن غيظي من فَوت الْجَارِيَة إيَّايَ يَمْنعنِي من التكرم عَلَيْهِ.
فَقلت: وَأَيْنَ الرَّغْبَة فِي الثَّوَاب؟ فَقَالَ: صدقت وَالله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute