فَقيل لَهُ: جاريتك الَّتِي بعتها السَّاعَة، قد أعدت لَك هَذَا لتنصرف إِلَيْهَا، فبعتها قبل انصرافك.
قَالَ: فَقَامَ الفسطاطي، فَرجع إِلَى الْحسن.
وأحضر الْحسن الْجَارِيَة، فَرَأى زيًا حسنا، ونظافةً، وتزينت بزينة لم تَرَ من مثلهَا، مَعَ مَا رأى فِيهَا من الْحسن وَالْجمال، والبهاء والكمال، فَهُوَ يجيل الْفِكر وَالنَّظَر فِيهَا، إِذْ رَجَعَ الفسطاطي إِلَيْهِ، وَهُوَ كَالْمَجْنُونِ المخبول، وَقَالَ: أَقلنِي بيع الْجَارِيَة، أقالك الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
فَقَالَ: مَا إِلَى هَذَا سَبِيل، وَمَا دخلت قطّ دَارنَا جَارِيَة، فَخرجت مِنْهَا.
قَالَ: أَيهَا الْأَمِير، إِنَّه الْمَوْت الْأَحْمَر.
قَالَ: وَمَا ذَاك؟ فَقص عَلَيْهِ قصَّته، وحبه لَهَا، وتلهفه عَلَيْهَا، وَأَنه لم يقدر على فراقها وَأَن النَّدَم قد لحقه، والشوق قد تمكن من فُؤَاده، وَأَنه إِن دَامَ ذَلِك عَلَيْهِ، كَانَ فِيهِ تلف نَفسه، وَبكى، وَلم يزل يتَضَرَّع لَهُ.
فرق لَهُ الْحسن، وأحضر الْجَارِيَة من سَاعَته، وَقَالَ لَهَا: هَل لَك فِي مَوْلَاك رَغْبَة؟ فَقَالَت: أَيهَا الْأَمِير، فِي مثله يرغب، فَرد الْجَارِيَة عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ: خُذ هَذِه الْألف دِينَار، لَك هبة، لَا يرجع إِلَى ملكي مِنْهَا دِينَار وَاحِد.
فَأخذ الفسطاطي الْجَارِيَة وَالدَّنَانِير، وَقَالَ: الْجَارِيَة حرَّة لوجه الله تَعَالَى، وَهَذِه الْألف دِينَار صَدَاقهَا، ثمَّ كتب كتابها.
وَعَاد إِلَى منزله، وَجلسَ مَعَ جَارِيَته على مَا أعدته لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute