مَا لم تفعل، أقدر مِنْك على رد مَا فعلت، فَدَعْنِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وامض لما أمرت بِهِ.
فَقَالَ لَهُ: شَأْنك وَمَا تُرِيدُ.
فَقَامَ الفتي، فَصلي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فيهمَا: يَا خَفِي اللطف، أَغِثْنِي فِي وقتي هَذَا، والطف بِي بلطفك الْخَفي.
فَلَا وَالله مَا استتم دعاءه، حَتَّى هبت ريح وغبرة، حَتَّى لم ير بَعضهم بَعْضًا، فوقعوا لوجوههم، وَاشْتَغلُوا بِأَنْفسِهِم عَن الْفَتى، ثمَّ سكنت الرّيح والغبرة، وطلبنا الْفَتى، فَلم يُوجد، وقيوده مرمية.
فَقَالَ الْحَاجِب لمن مَعَه: هلكنا وَالله، سيقع لأمير الْمُؤمنِينَ أَنا أطلقناه، فَمَاذَا نقُول لَهُ؟ إِن كذبناه لم نَأْمَن أَن يبلغهُ خبر الْفَتى فيقتلنا، وَلَئِن صدقناه، ليجعلن لنا الْمَكْرُوه.
فَقَالَ لَهُ الآخر: يَقُول الْحَكِيم: إِن كَانَ الْكَذِب يُنجي، فالصدق أَرْجَى وأنجى.
فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُم: مَا فَعلْتُمْ فِيمَا تقدّمت بِهِ إِلَيْكُم؟ فَقَالَ لَهُ الْحَاجِب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، الصدْق أولى مَا اتبع فِي جَمِيع الْأُمُور، ومثلي لَا يجترئ أَن يكذب بحضرتك، وَإنَّهُ كَانَ من الْخَبَر كَيْت وَكَيْت.
فَقَالَ الرشيد: لقد تَدَارُكه اللطف الْخَفي، وَالله، لأجعلنها فِي مُقَدمَات دعائي، امْضِ لشأنك، واكتم مَا جرى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute