فَلَمَّا صررنا بالنجف، نزل عَن رَاحِلَته، وأسبغ الْوضُوء، واستقبل الْقبْلَة، وَصلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء، وَأَنا بِالْقربِ مِنْهُ، فَسَمعته يَقُول: اللَّهُمَّ بك أستفتح، وَبِك أستنجح، وَبِمُحَمَّدٍ عَبدك وَرَسُولك أتوجه، اللَّهُمَّ إِنِّي أدرأ بك فِي نَحره، وَأَعُوذ بك من شَره , اللَّهُمَّ سهل لي حزونته، وذلل لي صعوبته، وَأَعْطِنِي من الْخَيْر أَكثر مِمَّا أَرْجُو، واكفني من الشَّرّ أَكثر مِمَّا أَخَاف، ثمَّ جَاءَ فَركب وَمضى.
فَلَمَّا قيل لأبي جَعْفَر: إِنَّه بِالْبَابِ، أَمر بالستور فَرفعت، وبالأبواب ففتحت، ثمَّ خرج إِلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فِي منتصف الدَّار فعانقه أَبُو جَعْفَر، وَأخذ بِيَدِهِ يماشيه مُقبلا عَلَيْهِ، حَتَّى انْتهى إِلَى مَجْلِسه، فأجلسه فِيهِ، ثمَّ أقبل عَلَيْهِ الْمَنْصُور يسائله، وَأَقْبل جَعْفَر يَدْعُو لَهُ ويفديه.
ثمَّ إِن الْمَنْصُور قَالَ لَهُ: عرفت مَا كَانَ من أَمر هذَيْن الرجلَيْن، يَعْنِي: مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيم ابْني عبد الله بن الْحسن، وَمَا كَانَ من بري بهما، وَقد استترا، وَخفت أَن يشقا الْعَصَا، ويلقيا بَين أهل هَذَا الْبَيْت شرا لَا يصلح أبدا، فَأَخْبرنِي بخبرهما، ودلني عَلَيْهِمَا.
فَقَالَ لَهُ جَعْفَر: قد وَالله نهيتهما فَلم يقبلا، وكرهت أَن أطلع على شَيْء من أمورهما، وَمَا زلت مائلا إِلَيْك، وحاطبا فِي حبلك، ومواظبا على طَاعَتك.
فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: صدقت، وَلَكِنَّك تعلم، أَنِّي أعلم، أَن علم أَمرهمَا عنْدك، وَلنْ أقنع إِلَّا أَن تُخبرنِي بخبرهما وَأَمرهمَا.
فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أتلو عَلَيْك آيَة من كتاب الله عز وَجل، فِيهَا مُنْتَهى علمي بهما.
قَالَ: هَات، على اسْم الله.
فَتلا عَلَيْهِ: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [الْحَشْر: ١٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute